مَقْتَلُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ


(
اسْتِئْذَانُ الْخَزْرَجِ الرَّسُولَ فِي قَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٧]: وَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ فِيمَنْ حَزَّبَ الْأَحْزَابُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَتْ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ، اسْتَأْذَنَتْ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي قَتْلِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ، فَأَذِنَ لَهُمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٧]: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ ﷺ أَنَّ هَذَيْنِ


[١] الموَالِي، الحلفاء. وحضير وَأسيد: قبيلتان.
[٢] ميطان: جبل من جبال الْمَدِينَة مُقَابل الشوران، بِهِ بِئْر مَاء. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[٣] الرث: الْخلق. والدثور: الدارس الْمُتَغَيّر.
[٤] الكاهنان: حَيَّان. والخضارمة: الأجواد الكرماء، الْوَاحِد: خضرم.
[٥] البدور: الشُّهُور والدهور.
[٦] عور: جمع أَعور.
[٧] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
١٨- سيرة ابْن هِشَام- ٢

الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ [١] مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَنَاءً [٢] إلَّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفِي الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَلَا يَنْتَهُونَ حَتَّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا، وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا أَصَابَتْ الْأَوْسَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا، قَالَ: فَتَذَاكَرُوا: مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي قَتْلِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ.

(النَّفَرُ الَّذِينَ خَرَجُوا لِقَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَقِصَّتُهُمْ):
فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَمَسْعُودُ ابْن سِنَانٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَخُزَاعِيُّ بْنُ أَسْوَدَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ. فَخَرَجُوا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً، فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا، فَلَمْ يَدْعُوَا بَيْتًا فِي الدَّارِ إلَّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ. قَالَ:
وَكَانَ فِي عِلِّيَّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ [٣] قَالَ: فَأَسْنَدُوا فِيهَا [٤]، حَتَّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ، فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ [٥] امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ. قَالَتْ: ذَاكُمْ صَاحِبكُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ، تَخَوُّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ [٦] تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَتْ:



[١] يتصاولان: يتفاخران، إِذا فعل أَحدهمَا شَيْئا فعل الآخر مثله.
[٢] غناء: مَنْفَعَة.
[٣] العجلة: جذع النَّخْلَة ينقر فِي مَوضِع مِنْهُ وَيجْعَل كالسلم فيصعد عَلَيْهِ إِلَى العلالي والغرف.
[٤] أسندوا فِيهَا: علوا.
[٥] فِي م، ر: «إِلَيْهَا» وَهُوَ تَحْرِيف.
[٦] المجاولة: حَرَكَة تكون بَينهم وَبَينه.

فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ، فَنَوَّهَتْ بِنَا [١] وَابْتَدَرْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى فرَاشه بأسيافنا، فو الله مَا يَدُلُّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ [٢] إلَّا بَيَاضُهُ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ [٣] مُلْقَاةٌ. قَالَ: وَلَمَّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ، جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، ثُمَّ يَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَكُفُّ يَدَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ. قَالَ: فَلَمَّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: قَطْنِي قَطْنِي: أَيْ حَسْبِي حَسْبِي. قَالَ: وَخَرَجْنَا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عتِيك رجلا سيء الْبَصَرِ، قَالَ: فَوَقَعَ مِنْ الدَّرَجَةِ فوثئت [٤] يَده وثأ شَدِيدًا- وَيُقَالُ: رِجْلُهُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا [٥] مِنْ عُيُونِهِمْ، فَنَدْخُلَ فِيهِ. قَالَ:
فَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَاشْتَدُّوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا، قَالَ: حَتَّى إذَا يَئِسُوا رَجَعُوا إلَى صَاحِبِهِمْ، فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَقُلْنَا: كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ مَاتَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ، فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاسِ. قَالَ: فَوَجَدْتُ امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، وَتُحَدِّثُهُمْ وَتَقُولُ: أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ، ثُمَّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْتُ: أَنَّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ؟ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَتْ:
فَاظَ [٦] وَإِلَهِ يَهُودَ، فَمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذَّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا. قَالَ: ثُمَّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوِّ اللَّهِ، وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ، كُلُّنَا يَدَّعِيهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ، قَالَ: فَجِئْنَاهُ بِهَا، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ: هَذَا قَتَلَهُ، أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطَّعَامِ.


[١] نوهت بِنَا: رفعت صَوتهَا تشهر بِنَا. ويروى: فوهت.
[٢] فِي أ: «الْبَيْت» .
[٣] الْقبْطِيَّة (بِضَم الْقَاف وَكسرهَا): ضرب من الثِّيَاب الْبيض تصنع بِمصْر.
[٤] وثئت: أصَاب عظمها شَيْء لَيْسَ بِكَسْر، وَقيل: هُوَ أَن يصاب اللَّحْم دون الْعظم.
[٥] المنهر: مدْخل المَاء من خَارج الْحصن إِلَى دَاخله.
[٦] فاظ: مَاتَ.

(شِعْرُ حَسَّانَ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَتْلَ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ:
للَّه دَرُّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتَهُمْ ... يَا بْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا بن الْأَشْرَفِ [١]
يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ [٢]
حَتَّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلِّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفَّفِ [٣]
مُسْتَبْصِرِينَ [٤] لِنَصْرِ دِينِ نَبِيِّهِمْ ... مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُجْحِفٍ [٥]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «ذُفَّفِ»، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

 


معزّ نوني
معزّ نوني
المؤهلات العلمية: متحصّل على شهادة ختم الدروس لتكوين المعلّمين بقفصة لسنة 2000 المهنة: أستاذ مدارس ابتدائية
تعليقات