٦٤ - كتاب الأنبياء

 

١ - باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته.
﴿صلصال﴾ /الحجر: ٢٦/: طين خلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، ويقال: منتن، يريدون به صل، كما يقال: صر الباب وصرصر عند الإغلاق، مثل كبكبته يعني كببته. ﴿فمرت به﴾ /الأعراف: ١٨٩/: استمر بها الحمل فأتمته. ﴿أن لا تسجد﴾ /الأعراف: ١٢/: أن تسجد.


(صلصال) الصلصال الصوت، وصلصل أخرج صوتا.

٢ - باب: قول الله تعالى:
﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ /البقرة: ٣٠/.
قال ابن عباس: ﴿لما عليها حافظ﴾ /الطارق: ٤/: إلا عليها حافظ. ﴿في كبد﴾ /البلد: ٦/: في شدة خلق. ﴿ورياشا﴾ /الأعراف: ٢٦/: المال. وقال غيره: الرياش والريش واحد، وهو ما ظهر من اللباس. ﴿ما تمنون﴾ /الواقعة: ٥٨/: النطفة في أرحام النساء.
وقال مجاهد: ﴿إنه على رجعه لقادر﴾ /الطارق: ٨/: النطفة في الإحليل.
كل شيء خلقه فهو شفع، السماء شفع، والوتر الله عز وجل.
﴿في أحسن تقويم﴾ /التين: ٤/: في أحسن خلق. ﴿أسفل سافلين﴾ /التين: ٥/: إلا من

١٢١٠
آمن. ﴿خسر﴾ /العصر: ٢/: ضلال، ثم استثنى إلا من آمن. ﴿لازب﴾ /الصافات: ١١/: لازم. ﴿ننشئكم﴾ /الواقعة: ٦١/: في أي خلق نشاء. ﴿نسبح بحمدك﴾ /البقرة: ٣٠/: نعظمك.
وقال أبو العالية: ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾ /البقرة: ٣٧/: فهو قوله: ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ /الأعراف: ٢٣/. ﴿فأزلهما﴾ /البقرة: ٣٦/: فاستنزلهما. ﴿يتسنه﴾ /البقرة: ٢٥٩/: يتغير. ﴿آسن﴾ /محمد: ١٥/: متغير. والمسنون المتغير. ﴿حمأ﴾ /الحجر: ٢٦/: جمع حمأة وهو الطين المتغير. ﴿يخصفان﴾ الأعراف: ٢٢/: أخذ الخصاف من ورق الجنة، يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض. ﴿سوآتهما﴾ /الأعراف: ٢٢/: كناية عن فرجهما. ﴿ومتاع إلى حين﴾ /الأعراف: ٢٤/: ها هنا إلى يوم القيامة، الحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عدده. ﴿قبيله﴾ /الأعراف: ٢٧/: جيله الذي هو منهم.



(خليفة) خلقا يخلف بعضهم بعضا. (رياشا) قرأ بهذا الحسن البصري وغيره، وهي قراءة غير متواترة، فلا تقرأ قرآنا ولا تصح بها الصلاة، ويحتج بها في اللغة والأحكام. والقراءة المتواترة: ﴿ريشا﴾ والريش والرياش: اللباس الفاخر، والأثاث، والمال، والخصب، والحالة الجميلة. والريش أيضا: كسوة الطائر. (النطفة) أي لقادر على أن يرجع النطفة إلى الإحليل، وهو الذكر. (كل شيء خلقه ..) يشير بهذا إلى قوله تعالى: ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون﴾ /الذاريات: ٤٩/. والمعنى: جعلنا كل شيء نوعين وصنفين مختلفين، كالذكر والأنثى والليل والنهار ونحو ذلك لتعلموا أن خالق الأزواج فرد، لا نظير له ولا شريك معه. والشفع الزوج، والوتر الفرد. (لازب) شديد متماسك الأجزاء. (فأزلهما) دعاهما إلى الزلة، وهي الخطيئة.

٣١٤٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن).
[٥٨٧٣]


أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: يدخل الجنة أقوام ..، رقم: ٢٨٤١. (تحيتك) أي ما يحيونك به هو تحيتك وتحية ذريتك من بعدك. (على صورة آدم) على هيئته في الطول والحسن والجمال، والسلامة من النقائص والعيوب. (ينقص) من حيث الطول، واستقر على القدر المألوف الآن.

٣١٤٩ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم

١٢١١
الألوة - الألنجوج، عود الطيب - وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعا في السماء).
[ر: ٣٠٧٣]


أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، وباب: في صفة الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا، رقم: ٢٨٣٤ (الألنجوج) تفسير للألوة، وقوله عود الطيب تفسير له، والظاهر أنه تفسير من أحد الرواة. (في السماء) أي علوا وارتفاعا.

٣١٥٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي من الحق، فهل على المرأة الغسل إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ). فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فبم يشبه الولد).
[ر: ١٣٠]

٣١٥١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ: أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ
رضي الله عنه قال:
بلغ عبد الله بن سلام مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (خبرني بهن آنفا جبريل). قال: فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد: فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها). قال: أشهد أنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود ودخل عبد الله الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أي رجل فيكم عبد الله بن سلام). قالوا: أعلمنا، وابن أعلمنا، وأخيرنا، وابن أخيرنا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أفرأيتم إن أسلم عبد الله). قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله إليهم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ

١٢١٢
إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أن محمدا رسول الله، فقالوا: شرنا، وابن شرنا، ووقعوا فيه.
[٣٦٩٩، ٣٧٢٣، ٤٢١٠]


(أشراط الساعة) علاماتها. (آنفا) الآن، وأول وقت يقرب مني مما مضى. (تحشر) تجمع. (فزيادة كبد الحوت) هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد، وهي أطيبها وألذها. (غشي المرأة) جامعها. (ماؤه) منيه. (بهت) جمع بهوت، وهو كثير البهتان، وهو أسوأ الكذب، أي: كذابون وممارون لا يرجعون إلى الحق. (ووقعوا فيه) أي ذموه وطعنوا فيه.

٣١٥٢ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ نحوه. يعني: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها).
[٣٢١٨]


أخرجه مسلم في الرضاع، باب: لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، رقم: ١٤٧٠. (يخنز اللحم) ينتن، وقيل: سبب ذلك: أنهم نهوا عن ادخار السلوى، فادخروه فأنتن، والله أعلم. (لولا حواء) أي أنها بدأت بالخيانة، وكانت خيانتها في دعوتها آدم عليه السلام إلى الأكل من الشجرة التي نهي عن الأكل منها.

٣١٥٣ - حدثنا أبو كريب وموسى بن حزام قالا: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن ميسرة الأشجعي، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء).
[٤٨٨٩، ٤٨٩٠، ٥٦٧٢، ٥٧٨٥، ٥٧٨٧، ٦١١٠]


(استوصوا بالنساء) تواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهن. (ضلع) أحد عظام الصدر، والمعنى: أن في خلقهن عوجا من أصل الخلقة. (أعوج شيء في الضلع أعلاه) أي وكذلك المرأة، عوجها الشديد في خلقها وفكرها. (تقيمه) تجعله مستقيما. (كسرته) أي وكذلك المرأة، إن أردت منها الاستقامة التامة في الخلق أدى الأمر إلى طلاقها.

٣١٥٤ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الأعمش: حدثنا زيد بن وهب: حدثنا عبد الله:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو الصادق المصدوق: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يوما، ثم يكون عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات، فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فإن الرجل لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بينه وبينها إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل الجنة فيدخل الجنة. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى ما يكون بينه وبينها إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل النار، فيدخل النار).
[ر: ٣٠٣٦]

٣١٥٥ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (إن الله وكل في الرحم ملكا، فيقول: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رب مضغة، فإذا أراد أن يخلقها قال: يا رب أذكر، يا رب أنثى، يا رب شقي أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ، فَمَا الْأَجَلُ، فَيُكْتَبُ كذلك في بطن أمه).
[ر: ٣١٢]

٣١٥٦ - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي عمران الجوني، عن أنس يرفعه:
(أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك).
[٦١٧٣، ٦١٨٩]


أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، باب: طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا، رقم: ٢٨٠٥. (تفتدي به) من الافتداء، وهو خلاص نفسه من الهلاك الذي وقع فيه. (صلب آدم) ظهر، والصلب كل ظهر له فقار، والمراد: أنه أخذ عليه العهد منذ خلق أباه آدم. (فأبيت إلا الشرك) رفضت الأمر وأتيت بالشرك.

٣١٥٧ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أبي: حدثنا الأعمش قال: حدثني عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رسول الله ﷺ: (لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كفل مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ).
[٦٤٧٣، ٦٨٩٠]


أخرجه مسلم في القسامة، باب: بيان إثم من سن القتل، رقم: ١٦٧٧. (كفل) جزء ونصيب من إثم قتلها. (سن القتل) ابتدع القتل على وجه الأرض.

٣ - باب: الأرواح جنود مجندة.

٣١٥٨ - قال: قال الليث، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف). وقال يحيى بن أيوب: حدثني يحيى ابن سعيد: بهذا.


(الأرواح) جمع روح، وهو الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة. (جنود مجندة) جموع مجتمعة وأنواع مختلفة. (تعارف) توافقت صفاتها وتناسبت في أخلاقها. (ائتلف) من الألفة وهي المحبة والمودة. (تناكر) تنافرت في طبائعها. (اختلف) تباعد وتباغض. انظر مسلم: البر والصلة، الأرواح جنود مجندة [٢٦٣٨]].

٤ - باب: قول الله عز وجل: ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه﴾ /هود: ٢٥/.
قال ابن عباس: ﴿بادئ الرأي﴾ /هود: ٢٧/: ما ظهر لنا. ﴿أقلعي﴾ /هود: ٤٤/: أمسكي. ﴿وفار التنور﴾ /هود: ٤٠/: نبع الماء، وقال عكرمة: وجه الأرض. وقال مجاهد: ﴿الجودي﴾ /هود: ٤٤/: جبل بالجزيرة. ﴿دأب﴾ /المؤمن: ٣١/: مثل حال.


(بادئ) هذه قراءة أبي عمرو البصري، وقراة حفص (بادي) وهما متواترتان، والمعنى: اتباعهم لك كان برأيهم الذي ظهر لهم دون تعمق وروية. (أقلعي) كفي عن المطر. (التنور) اسم فارسي معرب، وفسره عكرمة بوجه الأرض. (دأب) يفسر الدأب الوارد في قوله تعالى: ﴿مثل دأب قوم نوح﴾ بالحال، والدأب أيضا العادة.

٥ - باب: قول الله تعالى: ﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم﴾ /نوح: ١/. إلى آخر السورة.
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وتذكيري بآيات الله - إلى قوله - من المسلمين﴾ /يونس: ٧١ - ٧٢/.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ. فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ من أجر إن أجري إلى عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. (نبأ نوح) خبره وقصته. (كبر) عظم وثقل. (مقامي) مكثي بينكم وقيامي فيكم واعظا وموجها ومذكرا بالله تعالى. (فأجمعوا أمركم) اعزموا على تدبيركم وما أنتم عليه من كيد ومكر بي وبأصحابي. (وشركاءكم) واجمعوا أنصاركم واستعينوا بآلهتكم. (غمة) خفيا وملتبسا. (اقضوا إلي) امضوا إلي بما في أنفسكم من مكروه، وما تتوعدون به من قتل وطرد. (تنظرون) تؤخرون. (توليتم) أعرضتم. (فما سألتكم من أجر) ما طلبت منكم عوضا على نصحي وتبليغي فأخاف أن يفوتني بإعراضكم.

٣١٥٩ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عن الزهري: قال سالم: وقال ابن عمر رضي الله عنهما:
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: (إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ).
[٦٧٠٨، ٦٩٧٢، وانظر: ٢٨٩٢، ٣٢٥٦]


أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم: ١٦٩. (ذكر الدجال) أي ذكر بعد الفراغ من خطبته ما يكون من أمر الدجال وفتنته، والدجال من الدجل، وهو التلبيس والتمويه. (لأنذركموه) من الإنذار، وهو التحذير والتخويف.

٣١٦٠ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عن أبي سلمة: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (ألا أحدثكم حديثا عن الدجال، ما حدث به نبي قومه: إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه).
[٦٧١٢]


أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم: ٢٩٣٦.

٣١٦١ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بن زياد: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يجيء نوح وأمته، فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول محمد ﷺ وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله جل ذكره: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس﴾). والوسط العدل.
[٤٢١٧، ٦٩١٧]


(أنه قد بلغ) أي قومه ما أرسل به إليهم. (وهو قوله) أي هذا هو مصداق قوله تعالى، أو هو المراد به. والآية من /البقرة: ١٤٣/.

٣١٦٢ - حدثنا إسحاق بن نصر: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا أبو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في دعوة، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، وقال: (أنا سيد القوم يوم القيامة، هل تدرون بم؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيقول بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم، فيقول بعض الناس: أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي غضب

١٢١٦
غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، أما ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي، ائتوا النبي ﷺ، فيأتوني فأسجد تحت العرش، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعطه). قال محمد بن عبيد: لا أحفظ سائره.
[٣١٨٢، ٤٤٣٥]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم: ١٩٤. (فنهس) من النهس وهو الأخذ بأطراف الأسنان. (صعيد) أرض واسعة مستوية. (تدنو) تقرب. (من روحه) جعل فيك الروح بقدرته وخلقك من دون أب، معجزة وإكراما وتشريفا. (غضب) المراد بالغضب إرادة الانتقام وإيصال العذاب لمن عصاه. (نفسي نفسي) أي أطلب منجاتها، لأنها تستحق أن يشفع لها. (سائره) أي باقي الحديث، لأنه مطول، علم من سائر الروايات.

٣١٦٣ - حدثنا نصر بن علي بن نصر: أخبرنا أبو أحمد: عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ قرأ: ﴿فهل من مدكر﴾ مثل القراءة العامة.
[٣١٦٧، ٣١٩٦، ٤٥٨٨ - ٤٥٩٣]


(مدكر) متعظ معتبر يخاف العقوبة /القمر: ١٥/. (قراءة العامة) أي القراءة المشهورة التي يقرأ بها عامة القراء الذين رووا القراءات المتواترة.

٦ - باب:
﴿وإن إلياس لمن المرسلين. إذ قال لقومه ألا تتقون. أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين. الله ربكم ورب آبائكم الأولين. فكذبوه فإنهم لمحضرون. إلا عباد الله المخلصين. وتركنا عليه في الآخرين﴾ قال ابن عباس: يذكر بخير ﴿سلام على أهل ياسين. إنا كذلك نجزي المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين﴾ /الصافات: ١٢٣ - ١٣٢/.
يذكر عن ابن مسعود وابن عباس: أن إلياس هو إدريس.


(أتدعون بعلا) أتعبدون بعلا، وهو اسم لصنم كانوا يعبدونه، وقيل: البعل الرب بلغة أهل اليمن. (تذرون) تتركون عبادته. (لمحضرون) في العذاب بالنار. (آل ياسين) أي آل إلياس عليه السلام، وهي قراءة متواترة، وقراءة حفص (إل ياسين) قيل: هو لغة في إلياس مثل إسماعيل.

٧ - باب: ذكر إدريس عليه السلام
وهو جد أبي نوح، ويقال: جد نوح عليهما السلام.
وقول الله تعالى: ﴿ورفعناه مكانا عليا﴾ /مريم: ٥٧/.

٣١٦٤ - قال عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزهري (ح). حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن ابن شهاب قال: قال أنس: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: (فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بيدي فعرج بي إلى السماء، فلما جاء إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قال: معك أحد؟ قال: معي محمد، قال: أرسل إليه؟ قال: نعم فافتح، فلما علونا إلى السماء إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، فإذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شماله بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قلت: من هذا يا جبريل؟ قَال: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وعن شماله نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شماله بكى، ثم عرج بي جبريل حتى أتى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ فَفَتَحَ).
قَالَ أنس: فذكر أنه وجد في السماوات إدريس وموسى وعيسى وإبراهيم،
ولم يثبت لي كيف منازلهم، غير أنه قد ذَكَرَ: أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وإبراهيم في السادسة. وقال أنس: (فلما مر جبريل بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مررت بموسى، ثم مررت بعيسى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: من هذا؟ قال: عِيسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هذا إبراهيم).
قال: وأخبرني ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (ثُمَّ عُرِجَ بِي، حَتَّى ظَهَرْتُ لمستوى أسمع صَرِيفَ الْأَقْلَامِ).
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مالك رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (ففرض الله علي

١٢١٨
خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى أمر بموسى، فقال موسى: ما الذي فرض على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة، قال: فراجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فذكر مثله فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذلك، فرجعت فراجعت ربي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ ربك، فقلت: قد استحييت من ربي، ثم انطلق حتى أتى السدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم دخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك).
[ر: ٣٤٢]


(جنابذ) جمع جنبذة وهي القبة.

٨ - باب: قول الله تعالى: ﴿وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله﴾ /الأعراف: ٦٥/.
وقوله: ﴿إذ أنذر قومه بالأحقاف - إلى قوله - كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ /الأحقاف: ٢١ - ٢٥/.
فيه: عن عطاء وسليمان، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[ر: ٣٠٣٤، ٤٥٥١]


(وإلى عاد) أي: وأرسلنا إلى عاد. (أخاهم) واحدا منهم. (إلى قوله) والآيات بتمامها: ﴿واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلقه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم. قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون. فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم. تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين﴾. (بالأحقاف) جمع حقف، وهو رمل مستطيل مرتفع فيه اعوجاج. (خلت النذر) مضى المنذرون. (بين يديه) قبله. (خلفه) زمانه، أي وكلهم أنذر نحو إنذاره. (لتأفكنا) لتصرفنا. (العلم عند الله) بوقت مجيء العذاب لا عندي. (عارضا) يشبه سحابا عرض في أفق السماء. (ممطرنا) يحمل لنا المطر. (تدمر) تهلك. (لا يرى إلا مساكنهم) لأنها قائمة، وأما الناس فقد غطتها الرمال. (المجرمين) الذين يجرمون مثل جرمهم من كل أمة. (فيه) أي في هذا الباب الشامل على عذاب القوم بالريح، والتعوذ من ذلك.

٩ - باب: قول الله عز وجل:
﴿وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر﴾ شديدة ﴿عاتية﴾ قال ابن عيينة: عتت على الخزان

١٢١٩
﴿سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما﴾ متتابعة ﴿فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ أصولها ﴿فهل ترى لهم باقية﴾ بقية /الحاقة: ٦ - ٨/.


(عاتية) من عتا يعتو إذا جاوز الحد في الشيء. (الخزان) جمع خازن وهم الملائكة الموكلون بالريح، أي فلم تطعهم وجاوزت المقدار المحدد لها، بأمر الله تعالى وتسخيره. (سخرها) أرسلها وسلطها. (حسوما) من الحسم وهو القطع والمنع، أي قطعت الخير عنهم بتتابعها. (صرعى) جمع صريع وهو القتيل الملقى. (أعجاز نخل) أصولها وجزوعها. (خاوية) ساقطة، وشبهوا بالنخل لعظم أجسامهم وطولها.

٣١٦٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وأهلكت عاد بالدبور).
[ر: ٩٨٨]

٣١٦٦ - قال: وقال ابن كثير، عن سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ:
بعث علي رضي الله عنه إلى النبي ﷺ بذهبية، فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: (إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ). فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد، فقال: (من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني). فسأل رجل قتله - أحسبه خالد بن الوليد - فمنعه، فلما ولى قال: (إن من ضئضئ هذا، أو: في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الومية، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).
[ر: ٤٠٩٤]


أخرجه مسلم في الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم: ١٠٦٤. (بذهبية) قطعة من ذهب. (صناديد) رؤساء، جمع صنديد. (غائر العنين) عيناه داخلتان في رأسه لاصقتان بقعر الحدقة، ضد الجاحظ. (مشرف الوجنتين) عاليهما، والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين، وقيل لحم جلد الخدين. (كث اللحية) كثير شعرها. (ضئضئ) هو الأصل والعقب، وقيل: هو كثرة النسل. (لا يجاوز حناجرهم) لا يفقهون معناه ولا ينتفعون بتلاوته. (يمرقون) يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ من الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق بالسهم من دمه شيء. (الرمية) الصيد المرمي. (قتل عاد) أي أستأصلهم بالكلية بأي وجه، ولا أبقي أحدا منهم.

٣١٦٧ - حدثنا خالد بن يزيد: حدثنا إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ:

١٢٢٠
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقرأ: ﴿فهل من مدكر﴾.
[ر: ٣١٦٣]

١٠ - باب: قصة يأجوج ومأجوج،
وقول الله تعالى: ﴿قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض﴾.
قول الله تعالى: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا. إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا. فأتبع سببا - إلى قوله - آتوني زبر الحديد﴾ واحدها زبرة وهي القطع ﴿حتى إذا ساوى بين الصدفين﴾ يقال عن ابن عباس: الجبلين، والسدين الجبلين ﴿خرجا﴾ أجرا ﴿قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا﴾ أصبب عليه رصاصا، ويقال: الحديد، ويقال: الصفر. وقال ابن عباس: النحاس. ﴿فما اسطاعوا أن يظهروه﴾ يعلوه، اسطاع استفعل، من طعت له، فلذلك فتح أسطاع يسطيع، وقال بعضهم: استطاع يستطيع. ﴿وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء﴾ ألزقه بالأرض، وناقة دكاء لا سنام لها، والدكداك من الأرض مثله، حتى صلب

١٢٢١
من الأرض وتلبد. ﴿وكان وعد ربي حقا. وتركنا لعضهم يومئذ يموج في بعض﴾ /الكهف: ٨٣ - ٩٩/. ﴿حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون﴾ /الأنبياء: ٩٦/. قال قتادة: حدب أكمة، قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: رأيت السد مثل البرد المحبر، قال: (رأيته).


(يأجوج ومأجوج) قيل في بيانهما أقوال كثيرة، والظاهر - والله أعلم - أنهما أمتان من البشر، كثير عددهم، كبير شرهم وفسادهم، حبسهم الله عز وجل في جزء من أرضهم، رحمة ببقية خلقه، وسيخرجون في يوم من الأيام، ويكون خروجهم علامة من العلامات القريبة لقيام الساعة، أعاذنا الله تعالى من شرها وحمانا من ويلاتها، وحفظنا من المفسدين في الأرض في كل زمان ومكان.
(إلى قوله) وتتمة الآيات: ﴿حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما. قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا. قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا. ثم أتبع سببا. حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا. ثم أتبع سببا.
حتى إذا بلغ بين السدين وجد دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا
يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما﴾. (يسألونك) أي اليهود، وقيل زعماء المشركين. (ذكرا) شيئا من خبره. (مكنا له) جعلنا له السلطان. (وآتيناه) سهلنا عليه أمر السير في الأرض وأعطيناه أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه. (حمئة) حارة. (قلنا) أي ألهمه الله عز وجل ذلك. وقيل: كان نبيا، وكان ذلك القول وحيا له. (يسرا) قولا جميلا لينا. (سترا) أبنية يستترون فيها من الشمس، لأنهم كانوا في أرض لا يستقر عليها بناء. (بما لديه) من السلاح والعدة والعدد، أو بصلاحيته للحكم. (خبرا) علما. (يفقهون) يفهمون. (مكني) قواني به. (خير) أي مما ستعطونني. (ردما) سدا كبيرا وحاجزا منيعا. (الصدفين) طرفي الجبلين. (الصفر) الجيد من النحاس. (بعضهم) بعض الخلق، أو بعض يأجوج ومأجوج. (يومئذ) يوم القيامة، أو يوم فتح الردم. (يموج) يضطرب ويختلط وهم حيارى. (حدب) جانب وجهة. (ينسلون) يسرعون. (السد) سد يأجوج ومأجوج. (البرد) ثوب مخطط. (المحبر) له خطوط، خط أبيض وخط أسود أو أحمر.

٣١٦٨ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بنت جحش رضي الله عنهن:
أن النبي ﷺ دخل عليها فَزِعًا يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ للعرب من شر اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مثل هذه). وحلق بإصبعه الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فقلت: يا رسول الله، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخبث).
[٣٤٠٣، ٦٦٥٠، ٦٧١٦]


أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم: ٢٨٨٠. (ويل) كلمة تستعمل للحزن والهلاك والمشقة. (ردم) سد. (حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها) يعني جعل الإصبع السبابه في أصل الإبهام وضمها حتى لم يبق بينهما إلا خلل يسير، والمعنى: أنه لم يبق لمجيء الشر إلا اليسير من الزمن. (الخبث) الفسوق والفجور والمعاصي.

٣١٦٩ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا). وعقد بيده تسعين.
[٦٧١٧]


أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم: ٢٨٨١. (تسعين) هو مثل قوله في الحديث قبله: حلق بإصبعه .. .

٣١٧٠ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عن الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يديك، فيقول: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ

١٢٢٢
النَّارِ؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد). قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: (أبشروا، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا. ثم قال: والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود).
[٤٤٦٤، ٦١٦٥، ٧٠٤٥]


(لبيك) أنا ملازم طاعتك لزوما بعد لزوم. (سعديك) أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وإسعادا بعد إسعاد. (بعث النار) حزبها وأهلها. (فعنده) أي عند قول الله تعالى لآدم عليه السلام. (سكارى) جمع سكران، وهو الذي غطى أثر الشراب عقله، أي هم أشبه بالسكارى من شدة الأهوال، وليسوا سكارى حقيقة.

١١ - باب: قول الله تعالى: ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ /النساء: ١٢٥/.
وقوله: ﴿إن إبراهيم كان أمة قانتا﴾ /النحل: ١٢٠/. وقوله: ﴿إن إبراهيم لأواه حليم﴾ /التوبة: ١١٤/. وقال أبو ميسرة: الرحيم بلسان أهل الحبشة.


(خليلا) شديد المحبة له. (أمة) إماما يقتدى به في الخير، أو: لأنه قد اجتمع فيه خصال من خصال الخير والأخلاق الحميدة ما يجتمع في أمة كاملة. (قانتا) يخضع لله تعالى ويواظب على طاعته وحده. (لأواه) متضرع كثير الدعاء والبكاء، وفسره أبو ميسرة بما ذكر.

٣١٧١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا المغيرة بن النعمان قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (إنكم محشورون حفاة عراة غرلا، ثم قرأ: ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين﴾. وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن إناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ - إِلَى قَوْلِهِ - الْحَكِيمُ﴾).
[٣٢٦٣، ٤٣٤٩، ٤٣٥٠، ٤٤٦٣، ٦١٥٩ - ٦١٦١]


(محشورون) مجموعون يوم القيامة. (غرلا) جمع أغرل وهو الذي لم يختن، والمعنى: أنهم يحشرون كما خلقوا، لم يفقد منهم شيء، وليس معهم شيء. (فاعلين) قادرين أن نفعل ما نشاء، أو فاعلين ما وعدنا به الأنبياء /الأنبياء: ١٠٤/. (ذات الشمال) أي إلى النار. (مرتدين على أعقابهم) تاركين لأحكام الإسلام وشرائعه مهملين لها أو منكرين، وليس لهم من الإسلام إلا الاسم والانتساب. (العبد الصالح) عيسى عليه السلام. (شهيدا) أشهد على أعمالهم التي عملوها حين كنت بين أظهرهم. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ /المائدة: ١١٧، ١١٨/. (توفيتني) أخذتني إليك. (الرقيب) الراعي والحفيظ.

٣١٧٢ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أخي عبد الحميد، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار).
[٤٤٩٠، ٤٤٩١]


(قترة) سواد الدخان، و(غبرة) غبار، ولا يرى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه، ولعل المراد هنا: ما يغشى الوجه من شدة الكرب، وما يعلوه من ظلمة الكفر. (الأبعد) أي من رحمة الله تعالى. (بذيخ) الذيخ ذكر الضبع الكثير الشعر، أري أباه على غير هيئته ومنظره، ليسرع إلى التبرء منه. (متلطخ) متلوث بالدم ونحوه.

٣١٧٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وهب قال: أخبرني عمرو: أن بكيرا حدثه، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما قَالَ:
دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ البيت، فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم، فقال: (أما لهم، فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، هذا إبراهيم مصور، فما له يستسقم).

٣١٧٤ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ معمر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اله عنهما:
أن النبي ﷺ لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام، فقال: (قاتلهم الله، والله إن استقسما بالأزلام قط).
[ر: ١٥٢٤]


(الأزلام) القداح، جمع زلم، وهي قطع خشبية مكتوب عليها افعل، لا تفعل، ونحو ذلك، كانوا يستقسمون بها في أمورهم، من الاستقسام وهو طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم. (إن استقسما) ما استقسما. (قط) في أي زمن مضى.

٣١٧٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سعيد: حدثنا عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
قيل يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: (أتقاهم). فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله). قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا).
قال أبو أسامة ومعتمر، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبي ﷺ.
[٣١٩٤، ٣٢٠٣، ٣٣٠١، ٤٤١٢]


أخره مسلم في الفضائل، باب: من فضائل يوسف عليه السلام، رقم: ٢٣٧٨. (معادن العرب) أصولهم التي ينتسبون إليها ويتفاخرون بها. (فقهوا) فهموا وعلموا عملوا.

٣١٧٦ - حدثنا مؤمل: حدثنا إسماعيل: حَدَّثَنَا عَوْفٌ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قال:
قال رسول الله ﷺ: (أتاني الليلة آتيان، فأتينا على رَجُلٌ طَوِيلٌ، لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا، وإنه إبراهيم ﷺ.
[ر: ٨٠٩]

٣١٧٧ - حدثني بيان بن عمرو: حدثنا النضر: أخبرنا ابن عون، عن مجاهد: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
وذكروا له الدجال بين عينيه مكتوب كافر، أو ك ف ر، قال: لم أسمعه، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وأما موسى فجعد آدم، عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إليه انحدر في الوادي).
[ر: ١٤٨٠]


(فانظروا إلى صاحبكم) يريد نفسه ﷺ، والمعنى: أنه شبيه بإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فإذا نظر إليه فكأنما رئي إبراهيم عليه السلام. (فجعد آدم) مكتنز اللحم، أسمر البشرة. (مخطوم) مزموم. (بخلبة) هي الليفة.

٣١٧٨ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (اختتن إبراهيم

١٢٢٥
عليه السلام، وهو ابن ثمانين سنة، بالقدوم).
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزناد: (بالقدوم) مخففه. تابعه عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي الزناد. وتابعه عجلان، عن أبي هريرة. رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة.
[٥٩٤٠]


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل ﷺ، رقم: ٢٣٧٠. (اختتن) قطع قلفة الذكر، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة قبل قطعها. (بالقدوم) آلة يستعملها النجارون.

٣١٧٩ - حدثنا سعيد بن تليد الرعيني: أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إلا ثلاثا).
حدثنا محمد بن محبوب: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتين
منهن في ذات الله عز وجل. قوله: ﴿إني سقيم﴾. وقوله: ﴿بل فعله كبيرهم هذا﴾. وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ، فقال: ادعي الله ولاأضرك، فدعت الله فأطلق. ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو يصلي، فأومأ بيده: مهيا، قالت: رد الله كيد الكافر، أو الفاجر، في نحره، وأخدم هاجر). قال أبو هريرة: تلك أمكم، يا بني ماء السماء.
[ر: ٢١٠٤]


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، رقم: ٢٣٧١. (كذبات) أي فيما يظهر للناس وبالنسبة لفهم السامعين، وهي ليست كذبا في حقيقة الأمر لأنها من المعاريض. (ذات الله) أي لأجله. (سقيم) مريض، قال ذلك لقومه حتى لا يخرج معهم ويبقى ليكسر الأصنام /الصافات: ٨٩/، و/الأنبياء: ٦٣/. (فأخذ) اختنق حتى ضرب برجله الأرض كأنه مصروع. (مهيا) كلمة يستفهم بها، معناها: ما حالك وما شأنك. (تلك) أي هاجر عليها السلام. (بني ماء السماء) أراد بهم العرب، لأنهم يعيشون بالمطر، ويتبعون مواقع القطر في البوادي لأجل المواشي.

٣١٨٠ - حدثنا عبيد الله بن موسى، أو ابن سلام عنه: أخبرنا ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك رضي الله عنها:
أن رسول الله ﷺ أمر بقتل الوزغ. وقال: (كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام.
[ر: ٣١٣١]

٣١٨١ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم﴾. قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: (ليس كما تقولون ﴿لم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ بشرك، أو لم تسمعوا إلى قول لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إن الشرك لظلم عظيم﴾).
[ر: ٣٢]

١٢ - باب: ﴿يزفون﴾ /الصافات: ٩٤/: النسلان في المشي.


(يزفون) يسرعون في المشي، وهو معنى النسلان. وأشار بما ذكر إلى ما في قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه حين كسر أصنامهم، فجاؤوا إليه مسرعين يسألونه عنها.

٣١٨٢ - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
أتى النبي ﷺ يوما بلحم فقال: (إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس منهم - فذكر حديث الشفاعة - فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ويقول: فذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى).
تابعه أنس عن النبي ﷺ.
[ر: ٣١٦٢، ٤٢٠٦]


(ينفذهم البصر) يحيط بهم بصر الناظر، ويبلغ أولهم وآخرهم. (كذباته) انظر الحديث: ٣١٧٩.

٣١٨٣ - حدثني أحمد بن سعيد أبو عبد الله: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (يرحم الله أم إسماعيل، لولا أنها عجلت، لكان زمزم عينا معينا).
قال الأنصاري: حدثنا ابن جريج قال: أما كثير بن كثير: فحدثني قال: إني وعثمان

١٢٢٧
بن أبي سليمان جلوس مع سعيد بن جبير، فقال: ما هكذا حدثني ابن عباس، ولكنه قال: أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم وهي ترضعه، معها شنة - لم يرفعه - ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل.


(معينا) سائلا جاريا على وجه الأرض. (شنة) قربة يابسة بالية. (لم يرفعه) أي لم يرفع ابن عباس رضي الله عنه الحديث إلى النبي ﷺ.

٣١٨٤ - وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أخبرنا معمر، عن أيوب، السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير: قال ابن عباس:
أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت:
يا إيراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يتلفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات، ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذي زرع - حتى بلغ - يشكرون﴾. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر

١٢٢٨
أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (فذلك سعي الناس بينهما). فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت صه - تريد نفسها - ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (يَرْحَمُ الله أم إسماعيل، لو كانت تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ من الماء - لكانت زمزم عينا معينا). قال: فشربت وأرضعت ولدها، فال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن اله لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس). فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام

١٢٢٩
وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك في اللحم والماء. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَلَمْ يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه). قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلم جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء، قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك، وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد،

١٢٣٠
ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمر ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتا ها هنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ﴿ربنا تقبل منا إنك السميع العليم﴾.


(المنطق) ما يشد به الوسط. (لتعفي أثرها) أي لتجره على الأرض وتخفي أثرها على سارة. (دوحة) شجرة كبيرة. (جرابا) ما يتخذ من الجلد لتوضع فيه الزوادة. (قفى) من التقفية وهي الإعراض والتولي، يعني ولى راجعا. (الثنية) الطريق العالي في الجبل. (الكلمات) الدعوات، أو الجمل التي أنزلها الله تعالى في كتابه على محمد ﷺ، وتتمتها: ﴿عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون﴾ /إبراهيم: ٣٧/. (بواد) هو مكة. (المحرم) الذي يحرم التعرض له والتهاون به. (أفئدة) جمع فؤاد وهو القلب، والمراد الناس أصحاب القلوب. (تهوي إليهم) تقصدهم وتسكن إليهم. (يتلوى) يتمرغ وينقلب ظهرا لبطن ويمينا وشمالا. (يتلبط) يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض، وقيل: يحرك لسانه وشفتيه كأنه يموت. (درعها) قميصها. (سعت) هرولت وأسرعت في خطاها. (المجهود) الذي أصابه الجهد وهو الأمر الشاق. (فذلك سعي الناس بينهما) أي سبب مشروعية السعي بين الصفا والمروة، لإحياء تلك الذكرى في النفوس، لتنشط في الالتجاء إلى الله عز وجل في كل حال. (صه) أي قالت لنفسها: اسكتي. (غواث) من الغوث، أي إن كان غوث فأغثني. (بالملك) أي جبريل عليه السلام. (فبحث بعقبه) البحث طلب الشيء في التراب، وكأنه حفر بطرف رجله. (تحوضه) يجعله كالحوض لئلا يذهب الماء. (تقول بيدها) هو حكاية لفعلها. (عائفا) هو الذي يتردد على الماء ويحوم ولا يمضي عنه، والعائف أيضا: الرجل الذي يعرف مواضع الماء من الأرض. (لعهدنا) لمعرفتنا صلتنا. (جريا) رسولا، ويطلق على الوكيل والأجير، وسمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله، أو لأنه يجري مسرع في حوائجه. (فألفى ذلك) فوجد الجرهمي. (الأنس) المؤانسة بالناس. (شب الغلام) نشأ إسماعيل عليه السلام. (أنفسهم) رغبهم فيه وفي مصاهرته. (يطالع تركته) يتفقد حال ما تركه هناك، والتركة بمعنى المتروكة، والمراد بها أهله، والمطالعة النظر في الأمور. (يبتغي لنا) يطل لنا الرزق، وكان عيشه من الصيد. (هيئتهم) حالتهم. (عتبة بابه) هي أسكفة الباب، وهي هنا كناية عن المرأة. (لا يخلو عليهما أحد) لا يعتمد أحد في طعامه على اللحم والماء فقط. (لم يوافقاه) أي لا يوافقان مزاجه، ويشتكي من بطنه ونحو ذلك، وأما في مكة فإن المداومة على أكلها لا تحدث شيئا، وهذا من بركة إبراهيم عليه السلام. (ربنا تقبل ..) /البقرة: ١٢٧/.

٣١٨٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عامر عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، ومعهم شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة، فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل، حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله، قال: فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لما فني الماء، قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، قال: فذهبت فصعدت الصفا فنظرت، ونظرت هل تحس أحدا، فلم تحس أحدا، فلما بلغت الوادي سعت أتت المروة، ففعلت ذلك أشواطا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، تعني الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت، فلم تقرها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت، لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا، حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبريل، قال: فقال بعقبه هكذا، وغمز عقبه على الأرض، قال: فانبثق الماء، فدهشت أم إسماعيل،

١٢٣١
فجعلت تحفر، قال: فقال أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ: (لَوْ تركته كان الماء ظاهرا). قال: فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها، قال: فمر ناس من جرهم ببطن الوادي، فإذا هم بطير، كأنهم أنكروا ذاك، وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء، فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هم بالماء، فأتاهم فأخبرهم، فأتوا إليها فقالوا: يا أم إسماعيل، أتأذنين لنا أن نكون معك، أو نسكن معك، فبلغ ابنها فنكح فيهم امرأة، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مطلع تركتي، قال: فجاء فسلم، فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد، قال: قولي له إذا جاء غير عتبة بابك، فلما جاء أخبرته، قال: أنت ذاك، فاذهبي إلى أهلك، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مطلع تركتي. قال: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد، فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب، فقال: وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم ﷺ: (بركة بدعوة إبراهيم). قال: ثم إنه بدا لإبراهيم، فقال لأهله: إني مطلع تركتي، فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له. فقال: يا إسماعيل، إن ربك أمرني أن أبني له بيتا. قال: أطع ربك، قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه، قال: إذن أفعل، أو كما قال، قال: فقاما فجعل إبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. قال: حتى ارتفع البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة ويقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
[ر: ٢٢٣٩]


(أهله) سارة عليها السلام. (ما كان) من خصومة معتادة بين الضرائر، وذلك حين ولدت هاجر عليها السلام إسماعيل عليه السلام وغارت منها سارة فكان منها ما كان. (أحس) أجد. (ينشغ) من النشغ، وهو الشهيق من الصدر حتى يكاد يبلغ به الغشي، أي يعلو نفسه من شدة ما يرد عليه. (غمز) عصر وكبس. (تحفر) وفي نسخة (تحفر) أي تسرع وتحث سيرها، وفي أخرى (تحفن) أي تملأ كفيها. (ظاهرا) أي يجري على وجه الأرض. (أنكروا ذلك) أي تعجبوا من وجود الطير واستغربوه، لعلمهم أنه لا يوجد ماء في هذا المكان. (بركة) أي في طعام مكة وشرابها.

٣١٨٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حدثنا الأعمش: حدثنا إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: (المسجد الحرام). قال: قلت: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى). قلت: كم كان بينهما؟ قال: (أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة

١٢٣٢
بعد فصله، فإن الفضل فيه).
[٣٢٤٣]


(أول) أي للصلاة فيه. (الأقصى) سمي بذلك لبعد المسافة بينه وبين الكعبة أو لبعده عن الأقذار والخبائث فإنه مقدس مطهر، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة. (بعد) أي بعد دخول وقت الصلاة. (فصله) أي فصل، والهاء هاء السكت. (فإن الفضل فيه) أي فعل الصلاة إذا حضر وقتها وفي أول الوقت.

٣١٨٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أحرم ما بين لابتيها).
رواه عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[انظر: ٢٠٢٢، ٢٧٣٢]

٣١٨٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله: أن ابن أَبِي بَكْرٍ: أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهم، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ:
أَنَّ رسول الله ﷺ قال: (أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال: (لولا حدثان قومك بالكفر).
فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ما أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إبراهيم.
وقال إسماعيل: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
[ر: ١٢٦]


(قال إسماعيل) هو عبد الله بن أبي أويس، ابن أخت مالك بن أنس رحمه الله تعالى، وأشار البخاري بهذا إلى أن إسماعيل روى هذا الحديث، وبين أن ابن أبي بكر الذي فيه هو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه.

٣١٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ بن أنس، عن عبد الله ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ: أخبرني أبو حميد الساعدي رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى

١٢٣٣
مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إنك حميد مجيد).
[٥٩٩٩]


أخرجه مسلم في الصلاة، بَاب: الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بعد التشهد، رقم: ٤٠٧. (صل على محمد) الصلاة من الله تعالى الرحمة المقرونة بالتعظيم، وقيل: معناه: عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته. (ذريته) نسله. (بارك) من البركة وهي الزيادة والنماء، وأصله من برك البعير إذا أناخ في موضع ولزمه، وعليه يكون المعنى: أدم له ما أعطيته من التشريف والكرامة. (حميد) محمود على كل حال، صيغة مبالغة من الحمد. (مجيد) صيغة مبالغة من المجد، وهو الشرف والعظمة.

٣١٩٠ - حدثنا قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد: حدثنا أبو قرة مسلم بن سالم الهمذاني قال: حدثني عبد الله ابن عيسى: سمع عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ:
لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هدية سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ فقلت: بلى، فأهدها لي، فقال: سألنا رسول الله ﷺ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم؟ قال: (قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجي، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
[٤٥١٩، ٥٩٩٦]


أخرجه مسلم في الصلاة، بَاب: الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بعد التشهد، رقم: ٤٠٦.

٣١٩١ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الل عَنْهُمَا قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يعوذ الحسن والحسين، ويقول: (إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة).


(يعوذ) من التعويذ وهو الالتجاء والاستجارة. (التامة) الكاملة في فضلها وبركتها ونفعها. (هامة) كل حشرة ذات سم، وقيل: مخلوق يهم بسوء. (لامة) العين التي تصيب بسوء، وتجمع الشر على المعيون. وقيل: هي كل داء وآفة تلم بالإنسان.

١٣ - باب: قوله عز وجل: ﴿ونبئهم عن ضيف إبراهيم﴾ /الحجر: ٥١/.
قوله: ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾.


(نبئهم) أخبرهم. (ضيف إبراهيم) وهم الملائكة الذين أتوه على صورة البشر على أنهم ضيوف. وانظر الآيات: ٥١ - ٦٠ من سورة الحجر.

٣١٩٢ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ

١٢٣٤
شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾. ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبث في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي).
[٣١٩٥، ٣٢٠٧، ٤٢٦٣، ٤٤١٧، ٦٥٩١]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة. وفي الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل ﷺ، رقم: ١٥١. (أحق) أولى بالسؤال عن كيفية الإحياء أو الشك فيه لو كان سؤاله شكا، ولكنه طلب المزيد من اليقين والاطمئنان. (ليطمئن) ليسكن، ويصير علم اليقين عندي عين اليقين بالمشاهدة /البقرة: ٢٦٠/. (يأوي) يستند ويعتمد. (ركن شديد) قوي وعزيز يمتنع به ويستنصر بذلك ﷺ إلى قوله تعالى: ﴿لو كان أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ /هود: ٨٠/. قال العيني رحمه الله تعالى: وكأنه ﷺ استغرب ذلك القول وعده نادرا منه، إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه. وقال النووي رحمه الله تعالى: يجوز أنه نسي الالتجاء إلى الله في حمايته الأضياف، أو أنه التجأ إلى الله فيما بينه وبين الله، وأظهر للأضياف العذر وضيق الصدر. (الداعي) الذي دعاه إلى الخروج من السجن، ولأسرعت في الخروج، يشير بذلك ﷺ إلى قوله تعالى: ﴿فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن﴾ /يوسف: ٥٠/. وقوله ﷺ ذلك تواضع منه، حيث إنه وصف يوسف عليه السلام بشدة الصبر، ولا يعني ذلك قلة صبره ﷺ، أو أنه ﷺ يشير إلى الأخذ بالأسهل فيما ليس فيه معصية.

١٤ - باب: قول الله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد﴾ /مريم: ٥٤/.


(صادق الوعد) وفيا به، وقد وعد نفسه أن يصبر على الذبح، ووفى بذلك حين باشر أبوه بالتنفيذ، وقيل في معناه غير ذلك.

٣١٩٣ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حاتم، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بن الأكوع رضي الله عنه قَالَ:
مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى نفر من أسلم ينتضلون، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (رموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان). قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ما لكم لا ترمون). فقالوا: يا رسول الله نرمي وأنت معهم، قال: (ارموا وأنا معكم كلكم).
[ر: ٢٧٤٣]

١٥ - باب: قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام.
فيه ابن عمر وأبو هريرة، عن النبي ﷺ.
[ر: ٣١٧٥، ٣٢٠٢]

١٦ - باب: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت - إلى قوله - ونحن له مسلمون﴾. /البقرة: ١٣٣/.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا﴾.
(أم كنتم شهداء ..) أي ما كنتم حاضرين، نزلت ردا على اليهود الذين ادعوا أن يعقوب عليه السلام وصى أبناءه باليهودية حين وفاته. (آبائك ..) اعتبر إسماعيل عليه السلام أبا مع أنه عمهم، لأن العرب تسمي العم أبا.

٣١٩٤ - حدثنا إسحاق بن إبراهيم: سمع المعتمر، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ:
قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: من أكرم الناس؟ قال: (أكرهم أتقاهم). قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك، قال: (فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله).قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألونني). قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا).
[ر: ٣١٧٥]

١٧ - باب:
﴿ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون. أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون. فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين﴾ /النمل: ٥٤ - ٥٨/.


(الفاحشة) الفعلة القبيحة الشنيعة وهي اللواطة. (وأنتم تبصرون) والحال أنكم تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها، وقيل: يبصر بعضكم بعضا، لأنهم كانوا يفعلون ذلك في نواديهم مجاهرين بها لا يستترون، عتوا منهم وتمردا وخلاعة ومجانة. (شهوة) لأجل الشهوة. (تجهلون) عاقبة انحرافكم وجزاء عصيانكم. (يتطهرون) عن ارتكاب ما يفعل القوم، ويقولون ذلك استهزاء بهم وتهكما. (فأنجيناه وأهله) من العذاب الذي وقع في القوم. (قدرناها) جعلناها بتقديرنا وقضائنا. (الغابرين) الباقين في العذاب والهالكين.

٣١٩٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ قال: (يغفر الله للوط، إن كان ليأوي إلى ركن شديد).
[ر: ٣١٩٢]

١٨ - باب: ﴿فلما جاء آل لوط المرسلون. قال إنكم قوم منكرون﴾ /الحجر: ٦٢/.
﴿بركنه﴾ /الذاريات: ٣٩/: بمن معه لأنهم قوته. ﴿تركنوا﴾ /هود: ١١٣/: تميلوا. فأنكرهم ونكرهم واستنكارهم واحد. ﴿يهرعون﴾ /هود: ٧٨/: يسرعون. ﴿دابر﴾ /الحجر: ٦٦/: آخر. ﴿صيحة﴾ /يس: ٢٩/: هلكة. ﴿للمتوسمين﴾ /الحجر: ٧٥/: للناظرين. ﴿لبسبيل﴾ /الحجر: ٧٦/: لبطريق.


(منكرون) غير معروفين لدي. (بركنه) بجانبه وجميع بدنه، كناية عن المبالغة في الإعراض. (فأنكرهم) يشير إلى ما في قوله تعالى: ﴿فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم﴾ /هود: ٧٠/.

٣١٩٦ - حدثنا محمود: حدثنا أبو أحمد: حدثنا سفيان، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
قَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ: (فهل من مدكر).
[ر: ٣١٦٣]

١٩ - باب: قول الله تعالى: ﴿وإلى ثمود أخاهم صالحا﴾ /هود: ٦١/.
﴿كذب أصحاب الحجر﴾ /الحجر: ٨٠/: موضع ثمود. وأما ﴿حرث حجر﴾ /الأنعام: ١٣٨/: حرام، وكل ممنوع فهو حجر محجور، والحجر كل بناء بنيته، وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت حجرا، كأنه مشتق من محطوم، مثل قتيل من مقتول، ويقال للأنثى من الخيل الحجر، ويقال للعقل حجر وحجى، وأما حجر اليمامة فهو منزل.


(حطيم البيت) هو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة، ويسمى حجر إسماعيل عليه السلام. (حجر اليمامة) اليمامة: اسم البلد المشهور بين الحجاز واليمن، وحجر اليمامة مدينتها ووسطها.

٣١٩٧ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زمعة قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، وذكر الذي عقر الناقة، قال: (انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قومه كأبي زمعة).
[٤٦٥٨، ٤٩٠٨، ٥٦٩٥]


(عقر الناقة) ذبح ناقة صالح عليه السلام. (انتدب لها) من ندبه لأمر فانتدب، أي دعاه له فأجاب. (منعة) هي ما يمنع به الخصم أن يصل إلى خصمه الملتجيء.

٣١٩٨ - حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن: حدثنا يحيى بن حسان بن حيان أبو زكرياء: حدثنا سليمان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أن

١٢٣٧
رسول الله ﷺ، لما نزل الحجر في غزوة تبوك، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا قد عجنا منها واستقينا، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين، ويهريقوا ذلك الماء.
ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بإلقاء الطعام. وقال أبو ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (من
اعتجن بمائه).


أخرجه مسلم في الزهد والرقاق، باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم: ٢٩٨١. (يطرحوا) يلقوا. (يهريقوا) يريقوا. (سبرة بن معبد) ليس له في البخاري سوى هذا الموضع. (من اعتجن بمائه) أي أمر من اعتجن بمائه أن يلقي عجينه.

٣١٩٩ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره:
أن الناس نزلوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أرض ثمود، الحجر، فاستقوا من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة.
تابعه أسامة، عن نافع.

٣٢٠٠ - حدثني محمد: أخبرنا عبد الله، عن معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله، عن أبيه رضي الله عنهم:
إن النبي ﷺ لما مر بالحجر قال: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم ما أصابهم). ثم تقنع بردائه وهو على الرحل.


أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم: ٢٩٨٠. (أن يصيبكم ما أصابهم) حذر أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب. (تقنع) تستر. (الرحل) ما يوضع على البعير مثل السرج للفرس.

٣٢٠١ - حدثني عبد الله: حدثنا وهب: حدثنا أبي: سمعت يونس، عن الزهري، عن سالم: أن ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم).
[ر: ٤٢٣].

٢٠ - باب: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت﴾ /البقرة: ١٣٣/.


(أم كنتم ..) انظر الباب: ١٦ من كتاب التفسير.

٣٢٠٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عبد الله، عن أبيه، عن عُمَرَ رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنه قال: (الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم

١٢٣٨
السلام).
[٣٢١٠، ٤٤١١]

٢١ - باب: قول الله تعالى: ﴿لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين﴾ /يوسف: ٧/.


(في يوسف وإخوته) في قصتهم وخبرهم. (آيات) عبر وعظات. (للسائلين) لمن سأل عن قصتهم.

٣٢٠٣ - حدثني عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عبيد الله قال: أخبرني سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: من أكرم الناس؟ قال: (أتقاهم لله). قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله). قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألونني؟ الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا).
حدثني محمد: أخبرنا عبدة، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النبي ﷺ بهذا.
[ر: ٣١٧٥]

٣٢٠٤ - حدثنا بدل بن المحبر: أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها:
أن النبي ﷺ قال لها: (مري أبا بكر يصلي بالناس). قالت: إنه رجل أسيف، متى يقم مقامك رق. فعاد فعادت. قال شعبة: فقال في الثالثة أو الرابعة: (إنكن صواحي يوسف، مروا أبا بكر).
[ر: ١٩٥]

٣٢٠٥ - حدثنا الربيع بن يحيى البصري: حدثنا زائدة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قَالَ:
مَرِضَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ). فَقَالَتْ عائشة: إن أبا بكر رجل كذا، فقال مثله، فقالت مثله، فقال: (مروه، فإنكن صواحب يوسف). فأم أبو بكر في حياة رسول اله ﷺ. فقال حسين: عن زائدة: رجل رقيق.
[ر: ٦٤٦]

٣٢٠٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سنين كسني يوسف).
[ر: ٩٦١]

٣٢٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، هو ابن أخي جويرية: حدثنا جويرية عن أسماء، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المسيب وأبا عبيدة أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمَّ أتاني الداعي لأجبته).
[ر: ٣١٩٢]

٣٢٠٨ - حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا ابن فضيل: حدثنا حصين، عن سفيان، عن مسروق قال: سألت أم رومان، وهي أم عائشة، عما قيل فيها ما قيل، قالت:
بينما أنا مع عائشة جالستان، إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار، وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل، قالت فقلت: لم؟ قالت: إنه نما ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها. قالت: فسمعه أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (ما لهذه). قلت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدث به، فقعدت فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، فالله المستعان على ما تصفون. فانصرف النبي ﷺ، فأنزل الله ما أنزل، فأخبرها، فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد.
[ر: ٢٤٥٣]


(بفلان) أرادت مسطحا رضي الله عنه. (نما ذكر الحديث) رفع بخبره، وقيل: الأرجح هنا (نمى) لأن (نما) إذا بلغه على وجه الإصلاح، و(نمى) إذا بلغه على وجه الإفساد، وهو المتعين هنا. (حمى بنافض) أي حمى متلبسة بارتعاد، من النفض وهو التحريك.

٣٢٠٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة:
أنه سأل عائشة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ: أرأيت قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾. أو كذبوا؟ قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن. فقالت: يا عرية لقد استيقنوا بذلك، قلت: فلعلها أو كذبوا، قالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها. وأما هذه الآية،

١٢٤٠
قالت: هم أتباع الرسل، الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم، جاءهم نصر الله.
قال أبو عبد الله: ﴿استيأسوا﴾ افتعلوا، من يئست ﴿منه﴾ من يوسف. ﴿لا تيأسوا من روح الله﴾ معناه الرجاء.
[٤٢٥٢، ٤٤١٨، ٤٤١٩]


(استيأس) من اليأس وهو القنوط، أي قنطوا من إيمان أقوامهم. (ظنوا) أي ظن أتباع الرسل، كما فسرته عائشة رضي الله عنها. (كذبوا) كذبهم أقوامهم في الوعد بالعذاب من الله تعالى /يوسف: ١١٠/. (كذبوا) قيل معناه: كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم أنهم ينصرون، وقيل: ظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر. وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها قراءة: (كذبوا) بالتخفيف، ولعلها لم تبلغها عمن يرجع إليه في ذلك، وهما قراءتان متواترتان. (عرية) تصغير عروة، وهو تصغير المحبة والدلال، وليس تصغير التحقير. (معاذ الله) أعتصم بالله وأستجير به من هذا القول. (تظن ذلك بربها) تظن أن يخلفها الله تعالى وعده. (وأما هذه الآية) أي فالمراد من الظانين فيها أتباع الرسل، لا الرسل. (استيأسوا) /يوسف: ٨٠/. (روح الله) رحمة الله تعالى /يوسف: ٨٧/.

٣٢١٠ - أخبرني عبدة: حدثنا عبد الصمد، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
[ر: ٣٢٠٢]

٢٢ - باب: قول الله تعالى:
﴿وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين﴾ /الأنبياء: ٨٣/.
﴿اركض﴾ /ص: ٤٢/: اضرب. ﴿يركضون﴾ /الأنبياء: ١٢/: يعدون.


(نادى ربه) دعا ربه. (مسني) أصابني. (الضر) الضرر، من مرض أو نحوه.

٣٢١١ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذهب، فجعل يحثي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أكن أغنيك عَمَّا تَرَى، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لا غنى لي عن بركتك).
[ر: ٢٧٥]


(رجل جراد) جماعة من الجراد، وهو من أسماء الجماعات التي لا واحد لها من لفظها، مثل: سرب من الطير.

٢٣ - باب: ﴿واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا. وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا﴾ كلمه ﴿ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا﴾ /مريم: ٥١ - ٥٣/.
يقال للواحد وللاثنين والجميع نجي، ويقال: ﴿خلصوا نجيا﴾ /يوسف: ٨٠/: اعتزلوا

١٢٤١
نجيا، والجميع أنجية يتناجون. ﴿تلقف﴾ /الأعراف: ١١٧/: تلقم.


(مخلصا) بفتح اللام وبكسرها، قراءتان متواتران، ومعناه: جعل نفسه خالصة في طاعة الله تعالى وطهرها من دنس المعصية، ولم يشرك بالله تعالى أحدا في اعتقاد أو قول أو فعل. (الطور) جبل بين مصر ومدين. (نجيا) حال كونه مناجيا، من ناجاه إذا كلمه سرا وخصه بالحديث. (وهبنا) جعلنا. (من رحمتنا) رحمة منا له. (خلصوا نجيا) خلا بعضهم إلى بعض يتكالمون ويتشاورون وليس فيهم أحد غيرهم. (تلقف) بفتح اللام وتشديد القاف، و(تلقف) بسكون اللام وفتح القاف دون تشديد، وهما قراءتان متواتران، والمشدد للمبالغة، والمعنى: من لقف الشيء إذا تناوله بسرعة وحذق بالفم أو اليد، واللفظ في /طه: ٦٩/ و/الشعراء: ٤٥/. (تلقم) تبتلع.

٢٤ - باب: ﴿وقال رجل مؤمن من آل فرعون - إلى قوله - مسرف كذاب﴾ /غافر: ٢٨/.


(إلى قوله) وتتمة الآية: ﴿يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾. (من آل فرعون) قيل كان ابن عمه. (يكتم) يخفي ولا يظهر. (إيمانه) بما جاء به موسى عليه السلام من توحيد الله تعالى وعبادته. (أن يقول) لأنه قال كلمة التوحيد والحق. (بالبينات) بالمعجزات وخوارق العادات، التي تثبت صدقه في أنه نبي مرسل من الله عز وجل، ومؤيد برعايته وحفظه وعونه. (فعليه كذبه) لا يضركم العمل بما دعاكم إليه لأنه حق ويكون عليه وحده وبال الكذب على الله تعالى. (يصبكم بعض الذي يعدكم) إي إن كذبتموه، وهو صادق في واقع الحال، أصابكم ما يعدكم به من العذاب العاجل والآجل على تكذيبه. (يهدي) يرشد وينصر. (مسرف) متجاوز للحد. (كذاب) في ادعائه، ولا سيما على الله سبحانه.

٣٢١٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «فَرَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ رَجُلًا تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ:»وَرَقَةُ مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا
النَّامُوسُ: صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ
[ر: ٣]

٢٥ - باب: قول الله عز وجل: ﴿وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا - إلى قوله - بالواد المقدس طوى﴾ /طه: ٩ - ١٢/.
﴿آنست﴾ /طه: ١٠/: أبصرت.
قال ابن عباس: المقدس: المبارك، طوى: اسم الوادي. ﴿سيرتها﴾ /طه: ٢١/:

١٢٤٢
حالتها. والنهى التقى. ﴿بملكنا﴾ /طه: ٨٧/: بأمرنا. ﴿هوى﴾ /طه: ٨١/: شقي. ﴿فارغا﴾ /القصص: ١٠/: إلا من ذكر موسى. ﴿ردأ﴾ /القصص: ٣٤/: كي يصدقني، ويقال: مغيثا أو معينا. يبطش ويبطش. ﴿يأتمرون﴾ /القصص: ٢٠/: يتشارون. والجذوة قطعة غليظة من الخشب ليس فيها لهب. ﴿سنشد﴾ /القصص: ٣٥/: سنعينك، كلما عززت شيئا فقد جعلت له عضدا.
وقال غيره: كلما لم ينطق بحرف فيه تمتمة أو فأفأة فهي عقدة.
﴿أزري﴾ /طه: ٣١/: ظهري. ﴿فيسحتكم﴾ /طه: ٦١/: فيهلككم. ﴿المثلى﴾ /طه: ٦٣/: تأنيث الأمثل، يقول: بدينكم، يقال: خذ المثلى خذ الأمثل. ﴿ثم ائتوا صفا﴾ /طه: ٦٤/: يقال: هل أتيت الصف اليوم، يعني المصلى الذي يصلي فيه. ﴿فأوجس﴾ /طه: ٦٧/: أضمر خوفا، فذهبت الواو من ﴿خيفة﴾ لكسرة الخاء. ﴿في جذوع النخل﴾ /طه: ٧١/: على جذوع. ﴿خطبك﴾ /طه: ٩٥/: بالك. ﴿مساس﴾ /طه: ٩٧/: مصدر ماسه مساسا. ﴿لننسفنه﴾ /طه: ٩٧/: لنذرينه. الضحاء الحر. ﴿قصيه﴾ /القصص: ١١/: اتبعي أثره، وقد يكون

١٢٤٣
أن تقص الكلام. ﴿نحن نقص عليك﴾ /يوسف: ٣/. ﴿عن جنب﴾ /القصص: ١١/: عن بعد، وعن جنابة وعن اجتناب واحد.
قال مجاهد: ﴿على قدر﴾ /طه: ٤٠/: موعد. ﴿لا تنيا﴾ /طه: ٤٢/: لا تضعفا. ﴿مكانا سوى﴾ /طه: ٥٨/: منصف بينهم. ﴿يبسا﴾ /طه: ٧٧/: يابسا. ﴿من زينة القوم﴾ الحلي الذي استعاروا من آل فرعون. ﴿فقذفناها﴾ ألقيناها. ﴿ألقى﴾ /طه: ٨٧/: صنع. ﴿فنسي﴾ /طه: ٨٨/: موسى، هم يقولونه: أخطأ الرب. ﴿أن لا يرجع إليهم قولا﴾ /طه: ٨٩/: في العجل.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى. فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى﴾. (هل أتاك) قد أتاك عن طريق الوحي. (إذ رأى) حين رأى. (لأهله) لزوجه. (امكثوا) اجلسوا هنا وانتظروا. (بقبس) بشعلة من نار في طرف عود. (أو أجد على النار هدى) أي أجد عند النار من يدلني على الطريق. (النهى) أشار إلى قوله تعالى: ﴿إن في ذلك لآيات لأولي النهى﴾ /طه: ٥٤/. أي لدلائل وعظات لأصحاب العقول والتقوى والورع. (بملكنا) بفتح الميم وبكسرها وبضمها، قراءات متواترة، أي باختيار وملك أمرنا. (ردءا) عونا. (يبطش) أشار إلى قوله تعالى: ﴿فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما﴾ /القصص: ١٩/. أي لما هم موسى بضرب القبطي الذي كان يعتدي على الإسرائيلي، ويبطش من البطش وهو الأخذ بعنف وشدة، ويصح فيه ضم الطاء وكسرها وضم الطاء قراءة أبي جعفر، وهي من الثلاثة فوق السبعة. (لهما) أي لموسى عليه السلام والإسرائيلي. (الجذوة) بفتح الجيم وكسرها وضمها، أشار بها إلى قوله تعالى: ﴿لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون﴾ /القصص: ٢٩/. (بخبر) عن الطريق. (جذوة) قطعة وشعلة من النار، أو الجمرة الملتهبة وقيل: هي العود الذي اشتعل بعضه. والظاهر أن تفسير البخاري رحمه الله تعالى له بما ذكره خاص بالجذوة، بكسر الجيم. (عززت) قويت. (عضدا) معينا وناصرا، والعضد ما بين المرفق والكتف، ويكنى بشده عن التقوية والإعانة والنصرة. (تمتمة) تردد في النطق بالتاء، و(فأفأة) تردد بالنطق بالفاء، وأشار بما ذكره إلى تفسير (عقدة) في قوله تعالى: ﴿واحلل عقدة من لساني﴾ /طه: ٢٧/. (الأمثل) ذو الفضل الذي يستحق أن يضرب به المثل. (بدينكم) تفسير لقوله تعالى: ﴿بطريقتكم المثلى﴾. (خطبك) حالك وشأنك الذي دعاك إلى ما صنعت وحملك عليه. (لنذرينه) من التذرية وهي جعل الشيء في مهب الريح لتفرقه. (الضحاء) في القاموس: الضحوة ارتفاع النهار، والضحى فويقه .. والضحاء بالمد إذا قرب انتصاف النهار، وبالضم والقصر الشمس، وأتيتك ضحوة ضحى. ولعل البخاري رحمه الله تعالى يشير إلى قوله تعالى: ﴿وأن يحشر الناس ضحى﴾ /طه: ٥٩/. أي يجمع الناس ليشاهدوا مبارزة موسى عليه السلام مع السحرة في وقت الضحوة. (تنيا) من الوني، وهو الضعف والفتور والتقصير. (سوى) بضم السين وكسرها، قراءتان متواتران. (منصف بينهم) أي مسافته مستوية بين الفريقين، وقيل: معناه: مستويا لا ساتر فيه. (الذي استعاروا ..) أي وبقيت معهم حين خرجوا من مصر. (فقذفناها) في الأصل: (فقذفتها ألقيتها) وما ذكرته رواية الكشميهيني، وهو الموافق للفظ القرآن. (فنسي موسى) أي قال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى، ولكن موسى نسي أن يقول لكم ذلك قبل أن يذهب. (هم) أي السامري ومن وافقه، يقولون: (أخطأ الرب) أي موسى أخطأ الرب وأضاعه، حيث تركه هنا وذهب إلى الطور يطلبه. (أن) مخففة من الثقيلة، والأصل: أنه. (لا يرجع إليهم قولا) لا يجيبهم إذا دعوه ولا يكلمهم. (في العجل) أي هذا القول مقول في شأن عبادتهم العجل والله أعلم.

٣٢١٣ - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بن صعصعة:
أن رسول الله ﷺ حدثهم عن ليلة أسري به: (حتى إذا أتى السماء الخامسة، فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح).
تابعه ثابت، وعباد بن أبي علي، عن أنس، عن النبي ﷺ.
[ر: ٣٠٣٥]

٢٦ - باب: قول الله تعالى: ﴿وهل أتاك حديث موسى﴾ /طه: ٩/.
﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ /النساء: ١٦٤/.

٣٢١٤ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يوسف: أخبرنا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

١٢٤٤
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَيْلَةً أسري بي: رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب رجل، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى، فإذا هو رجل ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس، وأنا أشبه ولد إبراهيم به، ثم أتيت بإناءين: في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقال: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك).
[٣٢٥٤، ٤٤٣٢، ٥٢٥٤، ٥٢٨١]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: الإسراء برسول الله ﷺ إلى السماوات. وفي: الأشربة، باب: جواز شرب اللبن، رقم: ١٦٨. (ضرب) نحيف خفيف اللحم. (رجل) شعره ليس شديد الجعودة ولا شديد السبوطة. (ربعة) لا طويل ولا قصير. (أحمر) أي لونه يميل إلى الحمرة. (ديماس) هو السرب، وقيل الكن، وقيل الحمام، أي كأنه لم ير شمسا، وهو في غاية الإشراق والنضارة. (الفطرة) الاستقامة، وهو دين الإسلام، وجعل اللبن علامة له لكونه سهلا طيبا نافعا سليم العاقبة. (غوت) انهمكت في الجهل والضلال.

٣٢١٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن قتادة قال: سمعت أبا العالية: حدثنا ابن عم نبيكم، يعني ابن عباس،
عن النبي ﷺ قال: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى). وَنَسَبَهُ إِلَى أبيه، وذكر النبي ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فقال: (موسى آدم، طوال، كأنه من رجال شنوءة، وقال: عيسى جعد مربوع). وذكر مالكا خازن النار، وذكر الدجال.
[ر: ٣٠٦٧]


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: في ذكر يونس عليه السلام، رقم: ٢٣٧٧. (لا ينبغي) ليس له ذلك ولا يليق. (خير) أي من حيث النبوة والرسالة، جميع الرسل من هذه الناحية سواء، وإن كان لكل منهم فضيلة من حيث أهمية ما كلف به. (ونسبه إلى أبيه) إشارة إلى أن متى اسم أبيه، وليس أمه كما قيل.

٣٢١٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حدثنا أيوب السخيتاني، عن ابن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما:
أن النبي ﷺ لما قدم المدينة، وجدهم يصومون يوما، يعني عاشواء، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال: (أنا أولى بموسى منهم). فصامه، وأمر بصامه.
[ر: ١٩٠٠]

٢٧ - باب: قول الله تعالى:
﴿وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني - إلى قوله - وأنا أول المؤمنين﴾ /الأعراف: ١٤٣/.
يقال: دكه زلزله، ﴿فدكتا﴾ /الحاقة: ١٤/: فدككن، جعل الجبال كالواحدة، كما قال الله عز وجل: ﴿أن السماوات والأرض كانتا رتقا﴾ /الأنبياء: ٣٠/. ولم يقل كن، رتقا: ملتصقتين. ﴿أشربوا﴾ /البقرة: ٩٣/: ثوب مشرب مصبوغ.
قال ابن عباس: ﴿انبجست﴾ /الأعراف: ١٦٠/: انفجرت. ﴿وإذ نتفنا الجبل﴾ /الأعراف: ١٧١/: رفعنا.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك﴾. (وواعدنا موسى) من أجل مناجاتنا وإعطائه التوراة. (ثلاثين ليلة) وهي شهر ذي القعدة، قيل: أمر بصيامها، وكذلك العشر الأخرى، وكانت من ذي الحجة، وقيل: أمر في الثلاثين أن يتقرب إلى الله
تعالى بأنواع الطاعات، ثم كلمه وأعطاه الألواح في العشر التي زادها. (ميقات ربه) الوقت الذي عينه له والأجل الذي حدده. (اخلفني) كن أنت خليفتي فيهم حال غيابي. (لميقاتنا) للوقت الذي وقتنا له أن يأتي فيه لمناجاتنا. (أرني) ذاتك. (أنظر إليك) حتى أتمكن من النظر إليك. (لن تراني) أي في الدنيا. (تجلى ربه) ظهر نور ربه. (دكا) مستويا مع الأرض. (صعقا) مغشيا عليه. (أفاق) صحا من صعقته. (سبحانك) أنزهك عن كل نقص وما لا يليق بك. (أول المؤمنين) بعظمتك وجلالك وأنك تختلف في صفاتك عن خلقك. (فدكتا) أي الأرض والجبال. (رتقا) قيل: كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت، ففتق السماء أي شقها بالمطر، والأرض بالنبات. (ثوب ..) أشار بهذا إلى أن أشربوا في قوله تعالى: ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل﴾ ليس من شرب الماء، بل بمعنى خالط، أي خالط حب العجل قلوبهم، كما يخالط الصبغ الثوب.

٣٢١٧ - حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سعيد رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قَالَ: (النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يفيق، فإذا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ).
[ر: ٢٢٨١]

٣٢١٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النبي ﷺ: (لولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر).
[ر: ٣١٥٢]

٢٨ - باب: طوفان من السيل.
يقال للموت الكثير طوفان، القمل: الحمنان يشبه صغار الحلم. ﴿حقيق﴾ الأعراف: ١٠٥/: حق ﴿سقط﴾ /الأعراف: ١٤٩/: كل من ندم فقد سقط في يده.


(من السيل) أي يكون الطوفان من السيل الناشئ عن المطر الغالب الكثير. (الحمنان) قراد، واحده حمنانة. (الحلم) القراد الكبير، واحده حلمة. وقيل: القمل جمع قملة، وهي دابة صغيرة سوداء تكون في شعر الرأس وثنايا الجسم، بسبب الأوساخ وعدم النظافة. والبخاري رحمه الله تعالى يشير بهذه الألفاظ وشرحها إلى ما في قوله تعالى: ﴿فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين﴾ /الأعراف: ١٣٣/. (الضفادع) كثرت عليهم حتى كانوا يجدونها
في طعامهم وشرابهم. (الدم) أي أصابهم الرعاف وقيل: انقلبت مياههم دما. (آيات) دلائل. (مفصلات) واضحات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله تعالى، وقيل: مفرقات يتبع بعضها بعضا، وبين كل عذاب وآخر شهر. (فاستكبروا) عن الإيمان بموسى عليه السلام.

٢٩ - باب: حديث الخضر مع موسى عليهما السلام.

٣٢١٩ - حدثنا عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن صالح، عن ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَمَارَى هو والحر بن قيس الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى، الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ،
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ منك؟ قال: لَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السبيل إليه، فجعل لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، فقال موسى: ذلك ما كنا نبغ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ من شأنهما الذي قص الله في كتابه).
[ر: ٧٤]

٣٢٢٠ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حدثنا عمرو بن دينار قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ: أَنَّ موسى صاحب الخضر

١٢٤٧
ليس هو موسى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (أن موسى قام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أعلم؟ فقال: أنا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إليه، فقال له: بلى، لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي رب ومن لي به؟ وربما قال سفيان، أي رب، وكيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم، وربما قال: فهو ثمه، وأخذ حوتا فجعله في مكتل، ثم انطلق هو وفتاه يوسع بن نون، حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما، فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج، فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، فأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار مثل الطاق، فقال: هكذا مثل الطاق، فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما، حتى إذا كان من الغد قال لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هذا نصبا، ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله، قال لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، واتخذ سبيله في البحر عجبا، فكان للحوت سربا ولهما عجبا، قال له مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثارهما قصصا، رجعا يقصان آثارهما، حتى انتهينا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب، فسلم موسى فرد عليه، فقال: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا، قال: يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، قال: هل أتبعك؟ قال: ﴿إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا - إلى قوله - إمرا﴾. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة كلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور، فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، قال له الْخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر، إذ أخذ الفأس فنزع لوحا، قال: فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع لوحا بالقدوم، فقال له موسى: ما صنعت؟ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا، قَالَ:

١٢٤٨
أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صبرا، قَالَ: لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي من أمري عسرا، فكانت الأولى من موسى نسيانا، فلما خرجا من البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان، فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده هكذا، وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئا، فقال له موسى: أقتلت نفسا زكية بغير نفس، لقد جئت شيئا نكرا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ معي صبرا، قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا، فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يريد أن ينقض، مائلا، أومأ بيده هكذا، وأشار سفيان كأنه يمسح شيئا إلى فوق، فلم أسمع سفيان يذكر مائلا إلا مرة، قال: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا، عمدت إلى حائطهم، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: هَذَا فراق بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. قال النبي ﷺ: وددنا أن موسى كا نصبر فقص الله علينا من خبرهما، قال سفيان: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَرْحَمُ الله موسى، لو كان صبر لقص علينا من أمرهما).
وقرأ ابن عباس: «أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا». «وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين».
ثم قال سفيان: سمعته منه مرتين، وحفظته منه، قيل لسفيان: حفظته قبل أن تسمعه من عمرو، أو تحفظه من إنسان؟ فقال: ممن أتحفظه؟ ورواه أحد عن عمرو غيري، سمعته منه مرتين، أو ثلاثا، وحفظته منه.
[ر: ٧٤]

٣٢٢١ - حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني: أخبرنا ابن المبارك، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء).


(فروة) هي قشرة وجه الأرض. (بيضاء) يابسة ليس فيها نبت. (خضراء) لما نبت فيها من عشب أخضر.

٣٢٢٢ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عن معمر، عن
همام بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قيل لبني إسرائيل: ﴿ادخلوا

١٢٤٩
الباب سجدا وقولوا حطة﴾. فبدلوا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة).
[٤٢٠٩، ٤٣٦٥]


أخرجه مسلم في أول كتاب التفسير، رقم: ٣٠١٥. (سجدا) منحنين كهيئة من يريد السجود، خضوعا لله تعالى وشكرا. (حطة) حط عنا ذنوبنا واغفر لنا /البقرة: ٥٨/. (فبدلوا) غيروا لفظة حطة فقالوا: حنطا سمقاتا، أي حنطة حمراء، استخفافا بأمر الله تعالى. (أستاههم) جمع است وهو مقعدة الإنسان. (حبة في شعرة) ليس لهم غرض من هذا الكلام، لأنه لا
معنى له، وإنما قالوه استهزاء ومخالفة.

٣٢٢٣ - حدثني إسحاق بن إبراهيم: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا عوف، عن الحسن ومحمد وخلاس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قال رسول الله ﷺ: (إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه، ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها﴾).
[ر: ٢٧٤]


(حييا) كثير الحياء. (ستيرا) من شأنه ودأبه حب الستر وصون نفسه عن رؤية أحد لعورته. (برص) بقع بياض تكون على الجلد. (أدرة) انتفاخ في الخصية. (آفة) عيب. (عدا) مشى مسرعا. (قام الحجر) وقف عن السير. (وجيها) ذا جاه ومنزلة، لا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ /الأحزاب: ٦٩/.

٣٢٢٤ - حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن الأعمش قال: سمعت أبا وائل قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ قَسْمًا، فقا رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وجه الله، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
[ر: ٢٩٨١]

٣٠ - باب: ﴿يعكفون على أصنام لهم﴾ /الأعراف: ١٣٨/.
﴿متبر﴾ /الأعراف: ١٣/: خسران. ﴿وليتبروا﴾ يدمروا ﴿ما علوا﴾ /الإسراء: ٧/: ما غلبوا.


(يعكفون ..) أي يعبدونها. (متبر) من التتبير، وهو الإهلاك.

٣٢٢٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نجني الكباث، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: (عليكم بالأسود منه، فإنه أطيبه). قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: (وهل من نبي إلا وقد رعاها).
[٥١٣٨]


أخرجه مسلم في الأشربة، باب: فضيلة الأسود من الكباث، رقم: ٢٠٥٠. (نجني) من الجني وهو أخذ الثمر من الشجر. (الكباث) ثمر الأراك، يشبه التين يأكله الناس وغيرهم.

٣١ - باب: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تذبحوا بقرة﴾ الآية /البقرة: ٦٧ /.
قال أبو العالية: العوان: النصف بين البكر والهرمة. ﴿فاقع﴾ /البقرة: ٦٩/: صاف. ﴿لا ذلول﴾ لم يذللها العمل ﴿تثير الأرض﴾ /البقرة: ٧١/: ليست بذلول تثير الأرض ولا تعمل في الحرث. ﴿مسلمة﴾ من العيوب ﴿لاشية﴾ /البقرة: ٧١/: بياض. ﴿صفراء﴾ /البقرة: ٦٩/: إن شئت سوداء، ويقال: صفراء، كقوله: ﴿جمالات صفر﴾ /المرسلات: ٣٣/. ﴿فادارأتم﴾ /البقرة: ٧٢/: اختلفتم.


(الآية) وتتمتها: ﴿قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين﴾. (أتتخذنا هزوا) أتهزأ بنا. (الجاهلين) الذين يهزؤون بالمؤمنين. (النصف) الوسط. (البكر) الصغيرة التي لم تلد بعد. وهو يفسر قوله تعالى: ﴿لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك﴾ /البقرة: ٦٨/. والفارض الهرمة المسنة التي لا تلد. (تثير الأرض) تقلبها للزراعة. (لا شية) لا علامة ولا لون فيها غير لونها. (جمالات) جمع جمالة، والجمالة جمع جمل. (صفر) جمع أصفر، ويقال للجمل الأسود أصفر، لأن الغالب أن يكون مشربا بصفرة.

٣٢ - باب: وفاة موسى وذكره بعد.

٣٢٢٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
(أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهما السلام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: ارجع إليه، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فله بما غطت يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ،

١٢٥١
ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، قال: فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رمية بحجر). قال أبو هريرة: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لو كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تحت الكثيب الأحمر).
قال: وأخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: نحوه.
[ر: ١٢٧٤]

٣٢٢٧ - حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وسعيد بن المسيب: أن أبا هريرة رضي الله عنه قَالَ:
اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنْ اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا ﷺ عَلَى الْعَالَمِينَ، فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ المسلم عند ذلك يده فلطم الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ الذي كان من أمره وأمر المسلم، فقال: (لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ).


(في قسم يقسم به) أي في أمر يحلف عليه.

٣٢٢٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة قال:
قال رسول الله ﷺ: (احتج آدم وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فحج آدم موسى). مرتين.
[٤٤٥٩، ٤٤٦١، ٦٢٤٠، ٧٠٧٧]


(احتج) أتى كل منهما بحجة على ما يقول. (اصطفاك) اختارك وجعلك خالصا صافيا عن كل شائبة لا تليق بك. (برسالاته) أسفار التوراة. (قدر علي) أي ظهر بعد الوقوع أن الله تعالى قدر علي أن أفعله لحكمة يعلمها، فليس لك أن تلومني على أمر ظهر أنه قدر الله تعالى، لا سيما وقد تبت وتاب الله علي، فلا يلام أحد شرعا بعد التوبة. (فحج) غلبه بالحجة وظهر عليه بها. (مرتين) أي كرر قوله ﷺ مرتين.

٣٢٢٩ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ

١٢٥٢
سَعِيدِ بْنِ جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يوما، قال: (عرضت علي الأمم، ورأيت سوادا كثير الأفق، فقيل: هذا موسى في قومه).
[٥٣٧٨، ٥٤٢٠، ٦١٠٦، ٦١٧٥]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب، رقم: ٢٢٠. (عرضت علي الأمم) الظاهر أن هذا العرض كان في الرؤيا. (سوادا) كناية عن الجماعة الكثيرة. (الأفق) ناحية السماء.

٣٣ - باب: قول الله تعالى: ﴿وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون - إلى قوله - وكانت من القانتين﴾ /التحريم: ١١، ١٢/.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه﴾. (وضرب الله مثلا) مثل حال المؤمنين كيف أنهم يخرجون أحيانا من باطن الكفر، ولا يضرهم أن من لهم صلة بهم من الأقارب كفار، ولا يغير ذلك من ثباتهم وصدقهم، كما لا ينقص من ثوابهم وقربهم من الله عز وجل، وكان ذلك المثل بامرأة فرعون رضي الله عنها. (ومريم ..) أي وضرب مثلا أيضا لإعانة المؤمنين وما يؤتونه من الكرامات في الدنيا والآخرة بمريم عليها السلام. (أحصنت فرجها) حفظته من الرجال عامة ومن الفاحشة خاصة. (فنفخنا فيه من روحنا) جعلنا فيه مخلوقا حيا بأمرنا وقدرتنا. (بكلمات ربها وكتبه) بشرائعه المحكمة وكتبه المنزلة. (القانتين) المطيعين العابدين.

٣٢٣٠ - حدثنا يحيى بن جعفر: حدثنا وكيع، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مرة الهمذاني، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ:
قال رسول الله ﷺ: (كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النساء: إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سائر الطعام).
[٣٢٥٠، ٣٥٥٨، ٥١٠٢]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم: ٢٤٣١. (كمل) تناهى في جميع الفضائل التي تكون للجنس عامة. (الثريد) الخبز المكسر الذي وضع عليه اللحم والمرق. (سائر) باقي الأنواع من الطعام.

٣٤ - باب: ﴿إن قارون كان من قوم موسى﴾. الآية /القصص: ٧٦/.
﴿لتنوء﴾ لتثقل، قال ابن عباس: ﴿أولي القوة﴾ لا يرفعها العصبة من الرجال. يقال: ﴿الفرحين﴾ المرحين. ﴿ويكأن الله﴾ /القصص: ٨٢/: مثل: ألم تر أن الله. ﴿يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ /الرعد: ٢٦/: يوسع عليه ويضيق.


(الآية) وتتمتها: ﴿فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين﴾. (من قوم موسى) من عشيرته. (فبغى عليهم) ظلمهم وقد كان عاملا لفرعون. (الكنوز) الأموال المدخرة في الخزائن. (بالعصبة) بالجماعة الكثيرة. (لا تفرح) لا تبطر وتتكبر.

٣٥ - باب: قول الله تعالى: ﴿وإلى مدين أخاهم شعيبا﴾ /هود: ٨٤/.
إلى أهل مدين، لأن مدين بلد، ومثله: ﴿واسأل القرية﴾ /يوسف: ٨٢/. واسأل ﴿العير﴾ /يوسف: ٨٢/: يعني أهل القرية وأهل العير. ﴿وراءكم ظهريا﴾ /هود: ٩٢/: لم تلتفتوا إليه. يقال إذا لم تقض حاجته، ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا.
قال: الظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به. مكانتهم ومكانهم واحد. ﴿يغنوا﴾ /الأعراف: ٩٢/: يعيشوا. ﴿تأس﴾ /المائدة: ٢٦، ٦٨/: تحزن. ﴿آسى﴾ /الأعراف: ٩٣/: أحزن.
وقال الحسن: ﴿إنك لأنت الحليم الرشيد﴾ /هود: ٨٧/: يستهزؤون به.
وقال مجاهد: ليكة الأريكة. ﴿يوم الظلة﴾ /الشعراء: ١٨٩/: إظلال الغمام العذاب عليهم.


(قال) أي البخاري رحمه الله تعالى. (تستظهر به) تتقوى به. (مكانتهم) يشير إلى ما ورد في قصة شعيبب عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل﴾ /هود: ٩٣/. أي اعملوا بحسب ما تمليه عليكم حالكم في الكفر، أما أنا فسأعمل ما يقتضيه إيماني. أو إلى قوله تعالى: ﴿ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم﴾ /يس: ٦٧/. أي في مكانهم. (يستهزؤن به) أي بشعيب عبليه السلام، لأن غرضهم أن يقولوا: أنت السفيه الغوي. (ليكة ..) أشار إلى قوله تعالى: ﴿كذب أصحاب الأيكة المرسلين﴾ /الشعراء: ١٧٦/. والأيكة الشجرة الملتفة، وأصحاب الأيكة قوم شعيب عليه السلام، وكانت مساكنهم كثيفة الأشجار، وليكة بمعناها، وقرئ بهما، واللفظ متكرر في: /الحجر: ٧٨/ و/ص: ١٣/ و/ق: ١٤/. (إظلال الغمام) قيل: حبس عنهم الهواء وسلط عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا جميعا.

٣٦ - باب: قول الله تعالى: ﴿وإن يونس لمن المرسلين﴾.
إلى قوله: ﴿وهو مليم﴾. قال مجاهد: مذنب. المشحون: الموقر. ﴿فلولا أنه كان من

١٢٥٤
المسبحين﴾ الآية. ﴿فنبذناه بالعراء﴾ بوجه الأرض ﴿وهو سقيم. وأنبتنا عليه شجرة من يقطين﴾ من غير ذات أصل: الدباء ونحوه ﴿وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون. فآمنوا فمتعناهم إلى حين﴾ /الصافات: ١٣٩ - ١٤٨/. ﴿ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم﴾ /القلم: ٤٨/: كظيم، وهو مغموم.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿إذ أبق إلى الفلك المشحون. فساهم فكان من المدحضين. فالتقمهم الحوت﴾. (أبق) هرب إلى حيث لا يهتدى إليه. (الفلك) السفينة. (فساهم) اشترك معهم في القرعة فيمن يلقى من السفينة لتخف حمولتها. (المدحضين) المغلوبين بالقرعة، فألقي في البحر. (فالتقمه) فابتلعه. (مليم) يستحق أن يلام، واللفظ في /الذاريات: ٤٠/. (الموقر) المملوء، والمشحون أيضا المجهز والمحمل. (المسبحين) الذاكرين الله تعالى كثيرا، وقوله: ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾. أو أنه كان من المصلين من قبل. (الآية) أي بعدها، وهي: ﴿للبث في بطنه إلى يوم يبعثون﴾ لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة. (سقيم) عليل مريض من أثر التقام الحوت له. (كصاحب الحوت) هو يونس عليه السلام، أي لا تكن كالذي التقمه الحوت، في الضجر والغضب والعجلة. (إذ نادى) حين دعا ربه تعالى في بطن الحوت. (كظيم) ملأه الغم والهم، ومكظوم بمعناه.

٣٢٣١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حدثني الأعمش. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس). زاد مسدد: (يونس بن متى).
[٤٣٢٧، ٤٥٢٦]

٣٢٣٢ - حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خَيْرٌ
مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى). وَنَسَبَهُ إِلَى أبيه.
[ر: ٣٠٦٧]

٣٢٣٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
بينما يهودي يعرض سلعته، أعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا، والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي ﷺ بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي، فقال: (لم لطمت وجهه). فذكره، فغضب النبي ﷺ حتى رئي في وجهه، ثم قال: (لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثن ينفخ فيه أخرى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بالعرش،

١٢٥٥
فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي، ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى).
[ر: ٢٢٨٠]


(أحوسب) اعتبرت له إحدى الصعقتين التي يصعقهما كل إنسان أو مخلوق. (بصعقته يوم الطور) وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا﴾. انظر الباب: (٢٧) من هذا الكتاب.

٣٢٣٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بن إبراهيم: سمعت حميد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى).
[٤٣٢٨، ٣٤٥٥، ٤٥٢٧]


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: في ذكر يونس عليه السلام، رقم: ٢٣٧٦.

٣٧ - باب:
﴿واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت﴾ يتعدون يجاوزون في السبت ﴿إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا﴾ شوارع، إلى قوله: ﴿كونوا قردة خاسئين﴾ /الأعراف: ١٦٣ - ١٦٦/ ..


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون. وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون. فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾. (واسألهم) أي اسأل اليهود. (عن القرية) أي عن أهلها الذين خالفوا أمر الله تعالى ففاجأتهم نقمته. (حاضرة البحر) أي كانت على شاطئه، وهي أيلة، على ساحل البحر الأحمر، على طريق الحاج الذاهب من مصر إلى مكة. (يعدون) يعتدون ويخالفون أمر الله تعالى باصطيادهم يوم السبت وقد حرم عليهم ذلك. (سبتهم) قيامهم بما وجب عليهم من الراحة والسكون وقطع الأعمال وعدم الاصطياد ونحوه. (شرعا) ظاهرة على الماء. (كذلك نبلوهم) نختبرهم مثل هذا الاختبار الشديد. (بما كانوا يفسقون) بسبب خروجهم عن الطاعة. (أمة) جماعة من صلحاء القرية. (مهلكهم ..) دل على ذلك ما ظهر من حالهم من العناد، وأنه لا ينفع فيهم الوعظ والنصح. (معذرة إلى ربكم) حتى نعذر عند الله تعالى، ولا ننسب إلى التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (نسوا ما ذكروا به) تركوا ما وعظوا به. (ظلموا) ارتكبوا المعصية. (بئيس) شديد وجيع، من البأس وهو الشدة. (عتوا عما نهوا عنه) أبوا أن يرجعوا عن المعصية وتمردوا واستمروا في مخالفتهم. (قلنا ..) مسخناهم وصيرناهم قردة، والجمهور: على أنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ليعتبروا بهم، ثم ماتوا جميعا. (خاسئين) أذلاء صاغرين مبعدين من كل خير.

٣٨ - باب: قول الله تعالى: ﴿آتينا داود زبورا﴾ /النساء: ١٦٣/.
الزبر الكتب، واحدها زبور، زبرت كتبت. ﴿ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه﴾. قال مجاهد: سبحي معه ﴿والطير وألنا له الحديد. أن اعمل سابغات﴾ الدروع ﴿وقدر في السرد﴾ المسامير والحلق، ولا تدق المسمار فيتسلسل، ولا تعظم فيفصم ﴿واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير﴾ /سبأ: ١٠ - ١١/.


(زبورا) هو اسم الكتاب المنزل على داود عليه السلام. واللفظ وارد أيضا في /الإسراء: ٥٥/. (الزبر) هذا اللفظ وارد بالمعنى الذي ذكره في القرآن الكريم في الآيات: /آل عمران: ١٨٤/ و/النحل: ٤٤/ و/فاطر: ٢٥/ و/القمر: ٤٣/. وبمعنى كتاب الملائكة الحفظة في قوله تعالى: ﴿وكل شيء فعلوه في الزبر﴾ /القمر: ٥٢/. أي مسجل فيه. (فضلا) نبوة وكتابا هو الزبور، وصوتا بديعا نديا، وقوة وقدرة، وتسخير الجبال والطير. (أوبي) رجعي معه في التسبيح. (والطير) منصوب على أنه مفعول معه، أي يا جبال سبحي معه ومعك الطير أيضا تسبح. (ألنا) جعلناه لينا يعمله بيده دون مطرقة ونحوها. (سابغات) جمع سابغ وهو الواسع الكامل. (قدر
في السرد) فسرت السرد بالمسامير والحلق، وتقديرها جعلها مناسبة، ليست دقيقة ولا غليظة. (تدق) تجعله دقيقا. (فيتسلسل) يصبح سهلا كثيرا. (فيفصم) فينكسر، من الفصم وهو القطع.

٣٢٣٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (خفف على داود عليه السلام القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده).
رواه مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي ﷺ.
[ر: ١٩٦٧]


(خفف) سهل ويسر. (القرآن) قراءة الكتاب المنزل عليه والمكلف بالعمل به، ويطلق القرآن على القراءة. (فتسرج) يوضع عليها السرج، وهو ما يوضع على ظهر الفرس ونحوها تحت الراكب.

٣٢٣٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عقيل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّب أخبره، وأبا سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ:
أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أني أقول: واله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أنت الذي تقول: وَاللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ). قلت: قد قلته، قال: (إنك لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر). فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك

١٢٥٧
يا رسول الله، قال: (فصم يوما وأفطر يومين). قال: قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فصم يوما وأفطر يوما، وذلك صيام داود، وهو عدل الصيام). قلت: إني أطيق أفضل منه يا رسول الله، قال: (لا أفضل من ذلك).
[ر: ١٠٧٩]


(عدل الصيام) في نسخة (أعدل الصيام) أي خيره وأفضله، والمراد صيام التطوع.

٣٢٣٧ - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ: حَدَّثَنَا حبيب بن أبي ثابت، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار). فقلت: نعم، فقال: (فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين، ونفهت النفس، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر، أو كصوم الدهر). قلت: إني أجد بي - قال مسعر: يعني قوة - قال: (فصم صوم داود عليه السلام، وكان يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لاقى).
[ر: ١٠٧٩]


(أنبأ) أخبر. (أجد بي) أجد في نفسي قدرة على ذلك. (هجمت العين) غارت وضعف بصرها. (نفهت) تعبت وكلت.

٣٩ - باب: أحب الصلاة إلى اله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ. ويصوم يوما ويفطر يوما.
قال علي: وهو قول عائشة: ما ألفاه السحر عندي إلا نائما.
[ر: ١٠٨٢]


(وهو ..) أي كونه ينام السدس الأخير من الليل موافق لقولها.

٣٢٣٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس الثقفي: سمع عبد الله بن عمرو قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أحب الصيام إلى الله صيام داود: كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود: كان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ).
[ر: ١٠٧٩]

٤٠ - باب: ﴿واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب﴾.
إلى قوله: ﴿وفصل الخطاب﴾ /ص: ١٧ - ٢٠/. قال مجاهد: الفهم في القضاء.

١٢٥٨
﴿ولا تشطط﴾ لا تسرف ﴿واهدنا إلى سواء الصراط. إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة﴾ يقال للمرأة نعجة، ويقال لها أيضا شاة ﴿ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها﴾ مثل ﴿وكفلها زكرياء﴾ /آل عمران: ٣٧/: ضمنها ﴿وعزني﴾ غلبني، صار أعز مني، أعززته جعلته عزيزا ﴿في الخطاب﴾ يقال: المحاورة ﴿قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء﴾ الشركاء ﴿ليبغي - إلى قوله - أنما فتناه﴾. قال ابن عباس: اختبرناه، وقرأ عمر: فتناه، بتشديد التاء ﴿فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب﴾ /ص: ٢٢ - ٢٤/.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق. والطير محشورة كل له أواب. وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب﴾. (ذا الأيد) صاحب القوة. (أواب) كثير الرجوع إلى الله تعالى بالطاعة والعبادة وشدة البعد عن كل ما يكرهه الله عز وجل. (بالعشي) بآخر النهار. (الإشراق) أول النهار. (محشورة) مجموعة. (كل له أواب) أي كل من الجبال والطير مطيع لداود عليه السلام. (شددنا ملكه) قويناه بالحرس والجند. (الحكمة) النبوة وعلم الشرائع الإلهية والإصابة في الأمور. (ولا تشطط) ولا تجر في حكمك، من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطي الحق. (واهدنا إلى سواء الصراط) أرشدنا إلى الحق والصواب. (أخي) على ديني وطريقتي، لا من جهة النسب. (نعجة) امرأة، والعرب
تكني بالنعجة عن المرأة. (أكفلنيها) أي طلقها لأتزوجها وأضمها إلي. (وكفلها زكرياء) أي ضم زكرياء مريم عليهما السلام إلى نفسه، وفي قراءة: ﴿وكفلها زكرياء﴾. (ليبغي) ليظلم. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود﴾. (قليل ما هم) أي المؤمنون الصالحون الذين لا يظلمون قليلون. (ظن) أيقن وعلم. (اختبرناه) في أصول القضاء، فكانت منه عجلة حين حكم على أحد الخصمين بكونه ظالما بمجرد الدعوى، وقبل أن يسمع من الآخر. (فاستغفر ربه) سأله الغفران عن هذه الزلة التي هي من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإلا فهي ليست زلة بحد ذاتها. (خر راكعا) سقط على وجهه ساجدا لله عز وجل، وعبر عن السجود بالركوع لما في كل منهما من الانحناء. (أناب) رجع إلى الله عز وجل متضرعا أن يقبل توبته عن هذه الهفوة، على ما سبق.

٣٢٣٩ - حدثنا محمد: حدثنا سهل بن يوسف قال: سمعت العوام، عن مجاهد قال: قلت لابن عباس:
أسجد في ﴿ص﴾؟ فقرأ: ﴿ومن ذريته داود وسليمان - حتى أتي - فبهداهم اقتده﴾. فقال: نبيكم ﷺ ممن أمر أن يقتدي بهم.
[٤٣٥٦، ٤٥٢٨، ٤٥٢٩، وانظر: ١٠١٩]

٣٢٤٠ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
ليس ﴿ص﴾ من عزائم السجود، ورأيت النَّبِيَّ ﷺ يَسْجُدُ فِيهَا.
[ر: ١٠١٩]

٤١ - باب: قول اله تعالى: ﴿ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب﴾ /ص: ٣٠/. الراجع المنيب.
وقوله: ﴿هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بعدي﴾ /ص: ٣٥/. وقوله: ﴿واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان﴾ /البقرة: ١٠٢/.
﴿ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر﴾ أذبنا له عين الحديد ﴿ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب﴾ قال مجاهد: بنيان ما دون القصور ﴿وتماثيل وجفان كالجواب﴾ كالحياض للإبل، وقال ابن عباس: كالجوبة من الأرض ﴿وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور. فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض﴾ الأرضة ﴿تأكل منسأته﴾ عصاه ﴿فلما خر - إلى قوله - في العذاب المهين﴾ /سبأ: ١٢ - ١٤/.
﴿حب الخير عن ذكر ربي ... فطفق مسحا بالسوق والأعناق﴾ /ص: ٣٢، ٣٣/: يمسح أعراف الخيل وعراقيبها. ﴿الأصفاد﴾ /ص: ٣٨/: الوثاق.
قال مجاهد: ﴿الصافنات﴾ صفن الفرس رفع إحدى رجليه حتى تكون على طرف الحافر ﴿الجياد﴾ /ص: ٣١/: ﴿جسدا﴾ /ص: ٣٤/: شيطانا. ﴿رخاء﴾ طيبة ﴿حيث أصاب﴾

١٢٦٠
/ص: ٣٦/: حيث شاء. ﴿فامنن﴾ أعط .. ﴿بغير حساب﴾ /ص: ٣٩/: بغير حرج.


(لا ينبغي ..) لا يكون مثيله لأحد بعدي. (واتبعوا) اليهود والكهان. (تتلو) تروي وتحدث. (على ملك) في ملك. (ولسليمان الريح) أي سخرناها. (غدوها) ذهابها به عليه السلام في وقت الصباح مسيرة شهر. (رواحها) عودها به آخر النهار. (بين يديه) أمامه. (بإذن ربه) بأمر ربه. (يزغ) يعدل ويمل. (أمرنا) بطاعة سليمان عليه السلام. (محاريب) مساكن أو مساجد. (تماثيل) صورا، وقد كانت مباحة في شريعته، ومنعت في شرعنا بالأدلة الصريحة الصحيحة. (جفان) جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة. (الجوبة) الحفرة المستديرة الواسعة. (راسيات) ثابتات لا يحولن ولا يحركن لضخامتهن. (اعملوا) بطاعة الله تعالى. (شكرا) له سبحانه على عظيم نعمه. (الشكور) القائم بالشكر على الوجه الكامل بلسانه وقلبه وجوارحه. (قضينا) حكمنا. (خر) سقط ميتا. (إلى قوله) وتتمة الآية: ﴿تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب﴾. (تبينت) أيقنت وعلمت. (الغيب) ما خفي عنهم، وهو موت سليمان عليه السلام وهم يظنونه حيا. (لبثوا) استمروا وبقوا. (العذاب) التعب والعمل المرهق. (المهين) المذل للقائم به، لأنه تسخير له. (حب الخير) آثرت حب الخير على الذكر والعبادة. (فطفق) شرع. (أعراف) جمع عرف وهو الشعر النابت في محدب رقبتها، والمراد أنه نحرها. (الأصفاد) القيود. (جسدا) قيل هو الشق المذكور في الحديث الآتي (٣٢٤٢) ذكره النسفي في تفسير الآية، وقال: وأما ما يروي من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود.

٣٢٤١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ: (إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه فأخذته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان: ﴿رب اغفر لي وهب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾. فرددته خاسئا).
﴿عفريت﴾ متمرد من إنس أو جان، مثل زبنية جماعتها الزبانية.
[ر: ٤٤٩]


(عفريت) يشير إلى قوله تعالى: ﴿قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك﴾ /النمل: ٣٩/. (به) أي بعرش بلقيس. (مقامك) مجلس قضائك. (جماعتها) أي جمعها. قيل أشار بقوله (زبنية ..) إلى أنه قال في عفريت عفرية، ويجمع على عفارية.

٣٢٤٢ - حدثنا خالد بن مخلد: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ قال:
قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئا إلا واحدا، ساقطا أحد شقيه. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَوْ قالها لجاهدوا في سبيل الله). قال شعيب وابن أبي ازناد: (تسعين). وهو الأصح.
[٤٩٤٤، ٦٢٦٣، ٦٣٤١، ٧٠٣١، وانظر: ٢٦٦٤]


أخرجه مسلم في الأيمان، باب: الاستثناء، رقم: ١٦٥٤.

٣٢٤٣ - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ: حدثنا إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: (المسجد الحرام). قلت: ثم أي؟ قال: (ثم المسجد الأقصى). قلت: كم كان بينهما؟ قال: (أربعون، ثم قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، والأرض لك مسجد).
[ر: ٣١٨٦]

٣٢٤٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزناد، عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ:

١٢٦١
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: (مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فجعل الفراش وهذه الدواب تقع في النار. وقال: كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ: الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ داود فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إن سمعت بالسكين إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةَ.
[٦١١٨، ٦٣٨٨]


أخرجه مسلم في الأقضية، باب: بيان اختلاف المجتهدين، رقم: ١٧٢٠. (مثلي ومثل الناس) حالي وشأني في دعوتهم إلى الإسلام المنقذ لهم من النار، مع حالهم وشأنهم في إقبالهم على ما تزين لهم أنفسهم من التمادي في الباطل. (تقع في النار) أي وهو يحاول دفعهم عنها. (هو ابنها) قالت ذلك حتى لا يشقه، خوفا عليه لأنه ابنها في الحقيقة. (إن سمعت) ما سمعت.

٤٢ - باب: قول الله تعالى: ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله﴾.
إلى قوله: ﴿إن الله لا يحب كل مختال فخور﴾ /لقمان: ١٢ - ١٨/.
﴿ولا تصعر﴾: الإعراض بالوجه.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله
غني حميد. وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير. يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا﴾. (الحكمة) العقل والعلم والإصابة في القول والعمل، والجمهور على أن لقمان عليه السلام ليس بنبي. (لنفسه) لأن منفعة الشكر تعود عليه. (كفر) النعمة ولم يؤد شكرها تسوية بين المنعم المستحق للعبادة، وبين من لا نعمة له أصلا، فلا يستحق عبادة ولا تعظيما. (وهنا على وهن) شدة بعد شدة، تزيدها ضعفا بعد ضعف. (فصاله) فطامه ومدة رضاعه. (لي) بالعبادة والتوحيد. (ولوالديك) بالطاعة والبر والاحترام. (المصير) المرجع، وعلي الحساب. (جاهداك) بلغا وسعهما في حملك على الشرك ودعوتك له. (ما ليس لك به علم) ما تعلم أنه ليس بشيء، ولا تعلم له نعمة عليك ولا صفة يستحق بها أن يعبد، وهذا حال جميع المخلوقات. (معروفا) صحبة حسنة بالبر والصلة والاحتمال. (سبيل) دين. (أناب إلي) أقبل على طاعتي وعبادتي وهم المؤمنون أتباع الرسل. (إنها) أي المعصية والمخالفة. (مثقال) وزن أو حجم. (خردل) نبت صغير الحب، يضرب به المثل للتناهي في الصغر. (لطيف) يتوصل علمه إلى كل خفي. (المعروف) كل ما عرف من الشرع حسنه. (المنكر) كل ما عرف من الشرع قبحه. (ما أصابك) من الأذى في سبيل الأمر والنهي. (ذلك) أي ما وصيتك به. (عزم الأمور) الأمور التي أمر الله تعالى بها أمر حتم وإلزام، وقطع بها قطع إيجاب وفرض. (لا تصعر خدك للناس) لا تتكبر عليهم فتعرض عنهم بوجهك وتحتقرهم، إذا هم كلموك أو عاملوك. وتصعر من الصعر، وهو ميل في العنق وانقلاب في الوجه إلى أحد الشدقين، وربما كان الإنسان أصعر خلقة، أو صعره غيره بشيء يصيبه. وقيل: هو داء يصيب البعير فيلوي منه عنقه. (مرحا) خيلاء. (مختال) متكبر في مشيه. (فخور) يفاخر الناس ويعدد مناقبه ليتطاول عليهم.

٣٢٤٥ - حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾. قال أصحاب النبي ﷺ: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فنزلت: ﴿لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.

٣٢٤٦ - حدثني إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم﴾. شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: (ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ
بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لظلم عظيم﴾).
[ر: ٣٢]

٤٣ - باب: ﴿واضرب لهم مثلا أصحاب القرية﴾ الآية /يس: ١٣/.
﴿فعززنا﴾ /يس: ١٤/: قال مجاهد: شددنا. وقال ابن عباس ﴿طائركم﴾ /يس: ١٩/: مصائبكم.


(القرية) هي أنطاكية. (الآية) وتتمتها: ﴿إذ جاءها المرسلون﴾ أي الذين أرسلهم عيسى عليه السلام. (فعززنا) فقوينا. (طائركم) شؤمكم، وهو هنا كفرهم بالله تعالى وتكذيبهم لرسله.

٤٤ - باب: قول الله تعالى: ﴿ذكر رحمة ربك عبده زكرياء. إذ نادى
ربه نداء خفيا. قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا﴾.
إلى قوله: ﴿لم نجعل له من قبل سميا﴾. قال ابن عباس: مثلا، يقال: رضيا مرضيا.

١٢٦٣
﴿عتيا﴾ عصيا، عتا يعتو. ﴿قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا - إلى قوله - ثلاث ليال سويا﴾ ويقال: صحيحا. ﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا﴾ فأوحى: فأشار: ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة - إلى قوله - ويوم يبعث حيا﴾ /مريم: ٢ - ١٥/.
﴿حفيا﴾ /مريم: ٤٧/: لطيفا. ﴿عاقرا﴾ الذكر والأنثى سواء.


(زكرياء) وفي قراءة ﴿زكريا﴾ بالقصر. (خفيا) دعاه سرا في نفسه خفية من قومه. (وهن العظم) ضعف، وهو كناية عن ضعف البدن عامة وذهاب قوته، لأن العظم أقوى ما فيه، فإذا ضعف كان غيره أضعف. (اشتعل الرأس شيبا) كثر الشيب في شعر رأسي وفشا وانتشر، والشيب بياض الشعر، وغالبا ما يكون عند الطعن في السن. (إلى قوله) وتتمة الآيات: ﴿ولم أكن بدعائك رب شقيا. وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا. يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى﴾. (الموالي) هم بنو عمه، وخاف أن يغيروا الدين من بعده ويبدلوه، لما رأى من بني إسرائيل تبديلهم وتحريفهم للدين وقتلهم للأنبياء. (عاقرا) لا تلد. (من لدنك) من عندك منحة وعطية فوق الأسباب العادية. (وليا) ولدا يلي الأمر من بعدي. (يرثني) أي يرث النبوة والعلم والهدى والرشاد. (رضيا) ترضى عنه ويرضى بحكمك، ويرضى عنه العباد. (بغلام) ولد ذكر. (سميا) أي لم يسم أحد باسمه قبله. (عتيا) أي تجاوزت في السن حتى نحل عظمي ويبست مفاصلي، وعتا يعتو أسن وكبر. (عصيا) قال العيني: وذكره بالصاد المهملة والصواب بالسين المهملة. وفي القاموس المحيط: عسا الشيخ يعسو عسيا كبر. (أنى) من أين؟ وهو استكشاف عن الطريقة التي سيوهب بها الولد، لا استبعاد لذلك. (إلى قوله) وتتمة الآيات: ﴿قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا. قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس﴾. (آية) علامة على حمل امرأتي. (ألا تكلم) لا تستطيع الكلام. (سويا) حال كونك صحيحا سليم الأعضاء واللسان والحواس. (المحراب) الموضع الذي كان يصلي فيه. (سبحوا) صلوا لله تعالى. (بكرة وعشيا) صباحا ومساء، وقد كان يأمرهم بالصلاة في هذه الأوقات، فلما منع الكلام أمرهم بذلك إشارة. (بقوة) بجد واجتهاد مؤيدا بالتوفيق. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿وآتيناه الحكم صبيا. وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا. وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا. وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت﴾. (الحكم) الفهم والفقه في الدين، وقيل: النبوة. (صبيا) دون البلوغ. (حنانا) جعلنا لديه رحمة وشفقة لأبويه وغيرهما. (زكاة) طهارة وصلاحا. (تقيا) مخلصا في طاعته لله عز وجل، ولم يهم بخطيئة قط. (برا) لطيفا محسنا. (جبارا) متكبرا لا يرى لأحد حقا عليه. (عصيا) صيغة مبالغة من العصيان. (سلام عليه) أمان له من الله عز وجل. (يوم ولد) من مس الشيطان. (ويوم يموت) من فتنة القبر. (ويوم يبعث حيا) من عذاب يوم القيامة. (حفيا) من الحفاوة، وهي المبالغة في الإكرام والعناية بالأمر. (سواء) أي يقال للرجل الذي لا يلد عاقر، كما يقال للمرأة التي لا تلد عاقر.

٣٢٤٧ - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يحيى: حدثنا قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ

١٢٦٤
مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بن صعصعة:
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ حدثهم عن ليلة أسري به: (ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح).
[ر: ٣٠٣٥]

٤٥ - باب: قول الله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا﴾ /مريم: ١٦/.
﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة﴾ /آل عمران: ٤٥/. ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين - إلى قوله - يرزق من يشاء بغير حساب﴾ /آل عمران: ٣٣ - ٣٧/.
قال ابن عباس: وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد

١٢٦٥
ﷺ، يقول: ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه﴾ /آل عمران: ٦٨/: وهم المؤمنون. ويقال: آل يعقوب أهل يعقوب، فإذا صغروا آل ثم ردوه إلى الأصل قالوا: أهيل.


(انتبذت) اعتزلت وانفردت للعبادة. (شرقيا) مما يلي شرقي بيت المقدس. (بكلمة منه) ببشرى من عنده، وهي أن يولد لك ولد من غير زوج. (اصطفى) اختار، من الصفوة وهي الخالص من كل شيء. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم. فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله ..﴾. (ذرية) اسم لنسل الإنس والجن، وتطلق على الآباء والأبناء ومن تناسل منهم. (نذرت) جعلته نذرا، والنذر ما يوجبه الإنسان على نفسه. (محررا) مفرغا خالصا لعبادة الله تعالى وخدمة بيته. (فتقبل) من التقبل وهو أخذ الشيء مع الرضا به. (وليس الذكر كالأنثى) أي في القيام على خدمة بيت الله تعالى ومن يأتونه للعبادة، فالذكر أقدر على ذلك، وهي تقول هذا اعتذارا إلى الله عز وجل، ظنا منها أنها تعرف أنها لم توف بنذرها على الوجه الأكمل، لأنه كان في نفسها أن يكون حملها ذكرا. (أعيذها) أجيرها وأحصنها. (الرجيم) الطريد من رحمة الله تعالى. (بقبول حسن) أي بجعلها فوق غيرها من أوليائه الصالحين، وسلك بها طريق السعداء. (أنبتها ..) أنشأها تنشئة طيبة وجعل منها ذرية مباركة إذ جعل منها عيسى عليه السلام. (كفلها) ضمها إليه ليقوم بأمرها. (المحراب) مكان عبادتها. (رزقا) فاكهة ونحوها في غير وقتها. (أنى) من أين. (آل عمران المؤمنون ..) أي المراد بآل عمران المصطفين المؤمنون منهم، وكذلك المؤمنون من آل إبراهيم، والمؤمنون من آل ياسين، والمؤمنون من آل محمد، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين، فهو من العام الذي أريد به الخاص. (يقول) أي ابن عباس رضي الله عنهما. محتجا على تخصيصه الآل بالمؤمنين منهم، لأن غير المؤمنين منهم لم يتبعوه، فليسوا بأولى به، ولا يعدون من الآل.

٣٢٤٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزهري قال: حدثني سعيد ابن المسيب قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها). ثم يقول أبو هريرة: ﴿وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم﴾.
[ر: ٣١١٢]


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام، رقم: ٢٣٦٦. (يمسه الشيطان) يناله بيده من غير حاجز. (فيستهل) يصوت عند ولادته. (أعيذها) أجيرها وأحصنها. (الرجيم) الطريد من رحمة الله تعالى /آل عمران: ٣٦/.

٤٦ - باب:
﴿وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ /آل عمران: ٤٢ - ٤٤/. يقال: يكفل يضم، كفلها ضمها، مخففة، ليس من كفالة الديون وشبهها.


(اصطفاك) اختارك وخصك بفضل لم يكن لغيرك. (طهرك) من الأدناس المادية والمعنوية. (اصطفاك) فضلك على غيرك من النساء. (اقنتي) من القنوت وهو الطاعة. (اركعي مع الراكعين) كوني من المصلين المديمين للصلاة. (يلقون أقلامهم) يطرحونها مقترعين بها. (يكفل مريم) يقوم بحضانتها ورعايتها. (يختصمون) يتنافسون في شأنها رغبة في الأجر.

٣٢٤٩ - حدثني أحمد بن أَبِي رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أخبرني أبي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سمعت عليا رضي الله عنه يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول: (خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة).
[٣٦٠٤]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم: ٢٤٣٠. (خير نسائها) أي نساء الدنيا في زمانها.

٤٧ - باب: قوله تعالى: ﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم﴾.
إلى قوله: ﴿فإنما يقول له كن فيكون﴾ /آل عمران: ٤٥ - ٤٧/: يبشرك ويبشرك واحد، ﴿وجيها﴾ شريفا.
وقال إبراهيم: ﴿المسيح﴾ الصديق. وقال مجاهد: الكهل الحليم، و﴿الأكمه﴾ /آل عمران: ٤٩/: من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل. وقال غيره: من يولد أعمى.


(إلى قوله) وتتمتها: ﴿وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين. قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا﴾. (يبشرك) من التبشير وهو الإخبار بما يسر من خير، ولا يستعمل في الشر إلا تهكما. (المسيح) قيل في معناه الكثير، منها: جميل الوجه، ومنها: لأنه ما كان يمسح ذا عاهة إلا برأ. (كهلا) هو في اللغة من قارب الأربعين، وقيل: من
جاوز الثلاثين. (أنى) كيف. (لم يمسسني بشر) لم يصبني ذكر. (قضى أمرا) أراد تكوينه ووجوده. (إبراهيم) النخعي.

٣٢٥٠ - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سمعت مرة الهمذاني يحدث: عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سائر الطعام، كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النساء: إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون).
[ر: ٣٢٣٠]

٣٢٥١ - وقال ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هريرة قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول: (نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده). يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط.
تابعه ابن أخي الزهري وإسحاق الكلبي، عن الزهري.
[٤٧٩٤، ٥٠٥٠]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل نساء قريش، رقم: ٢٥٢٧. (ركبن الإبل) هو كناية عن نساء العرب. (أحناه) أشفقه وأعطفه. (أرعاه) أكثر رعاية وصيانة. (في ذات يده) ماله المضاف إليه.

٤٨ - باب: قوله: ﴿يا أهل الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ...
﴿... وَلا تَقُولُوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم روح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا﴾ /النساء: ١٧١/.
قال أبو عبيد: ﴿كلمته﴾ كن فكان. وقال غيره: ﴿وروح منه﴾ أحياه فجعله روحا. ﴿ولا تقولوا ثلاثة﴾.


(لا تغلوا) من الغلو وهو الإفراط ومجاوزة الحد. (روح منه) كسائر الأرواح التي خلقها سبحانه، وأضافه إليه تشرفيا وتكريما. (ولا تقولوا ثلاثة) أي في حق الله تعالى وعيسى وأمه عليهما السلام. (وكيلا) قائما بتدبير الخلق، غنيا عنهم.

٣٢٥٢ - حدثنا صدقة بن الفضل: حدثنا الْوَلِيدُ، عَنْ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عن عبادة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمتة ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).
قال الوليد: حدثني ابن جابر، عن عمير، عن جنادة، وزاد: (من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء).


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، رقم: ٢٨. (حق) أمر ثابت وحاصل. (على ما كان من العمل) أي يكون دخوله الجنة على حسب ما قدم من أعمال في الدنيا، فإن لم تكن له ذنوب يعاقب عليها بالنار كان من السابقين، وإن كانت له ذنوب فأمره إلى الله تعالى، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، ثم كانت نهايته إلى الجنة.

٤٩ - باب: ﴿واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها﴾ /مريم: ١٦/.
نبذناه: ألقيناه: اعتزلت. ﴿شرقيا﴾ /مريم: ١٦/: مما يلي الشرق. ﴿فأجاءها﴾ /مريم: ٢٣/: أفعلت من جئت، ويقال: ألجأها اضطرها. ﴿تساقط﴾ /مريم: ٢٥/:

١٢٦٨
تسقط. ﴿قصيا﴾ /مريم: ٢٢/: قاصيا. ﴿فريا﴾ /مريم: ٢٧/: عظيما.
قال ابن عباس: ﴿نسيا﴾ /مريم: ٢٣/: لم أكن شيئا. وقال غيره: النسي الحقير.
وقال أبو وائل: علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت: ﴿إن كنت تقييا﴾ /مريم: ١٨/.
قال وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ: ﴿سريا﴾ /مريم: ٢٤/: نهر صغير بالسريانية.


(واذكر ..) انظر الباب (٤٥). (نبذناه) يشير إلى قوله تعالى: ﴿فنبذناه بالعراء وهو سقيم﴾ /الصافات: ١٤٥/. (بالعراء) بالأرض الخالية عن الشجر والنبات، وكل ما تجرد مما يستره فهو عراء. (سقيم) مريض. (اعتزلت) تفسير لقوله تعالى: ﴿انتبذت﴾. (أفعلت ..) أي لفظ أجاء مزيد جاء، فوزن جاء فعل وهو لازم، فإذا عدي صار وزن أفعل وقلت: أجاء. (تساقط) وقرئ ﴿تساقط﴾ و﴿تساقط﴾. (قاصيا﴾ بعيدا. (فريا) منكرا هائلا، ومصنوعا مختلقا. (نسيا) وقرئ بفتح النون، قال النسفي: ومعناهما واحد،
وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته. (ذو نهية) ذو عقل ينهاه عن فعل القبيح.

٣٢٥٣ - حدثنا مسلم عن إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا
من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه - قال أبو هريرة: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل).
[ر: ١١٤٨]


أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب: تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة، رقم: ٢٥٥٠. (المهد) الفراش الذي يهيأ للصبي ليضجع فيه وينام، والمراد هنا: حال الصغر قبل أوان الكلام. (ذو شارة) ذو حسن وجمال، وقيل: صاحب هيئة وملبس حسن، يتعجب منه ويشار إليه. (أمة) امرأة مملوكة. (لم ذلك) أي سألته عن سبب دعائه أن يكون مثل الأمة ولا يكون مثل الرجل. (ولم تفعل) والحال أنها بريئة لم تسرق ولم تزن، وتلتجئ إلى الله تعالى أن يجيرها وأن يثيبها.

٣٢٥٤ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ. حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن الزهري قال: أخبرني سعيد ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ ليلة أسري بي: (لقيت موسى قال: فنعته، فإذا رجل - حسبته قال - مضطرب رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى - فنعته النبي ﷺ فقال - ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس - يعني الحمام - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين، أحدهما لبن والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة، أو: أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك).
[ر: ٣٢١٤]

٣٢٥٥ - حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا إسرائيل: أخبرنا عثمان بن المغيرة، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (رَأَيْتُ عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فآدم جسيم سبط، كأنه من رجال الزط).


(فأحمر) أبيض مشرب بحمرة. (جعد) في شعره انثناء. (آدم) فيه سمرة. (جسيم) كثير اللحم، وقيل: الجسامة هنا باعتبار الطول. (سبط) هو خلاف الجعد. (الزط) جنس طوال من السودان.

٣٢٥٦ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ: حدثنا موسى، عن نافع: قال عبد الله:
ذكر النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا بَيْنَ ظهري الناس المسيح الدجال، فقال: (إن الله ليس بأعور، ألا إن الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قططا، أعور

١٢٧٠
العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال).
تابعه عبيد الله، عن نافع.


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال. وفي الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم: ١٧١. (بين ظهراني الناس) جالسا في وسط الناس، ظاهرا لهم لا مستخفيا عنهم. (عنبة طافية) ناتئة عن حد أختها، من الطفو، وهو أن يعلو الماء ما وقع فيه، والعنبة الطافية هي الحبة الكبيرة التي خرجت عن أخواتها. (لمته) هي الشعر إذا جاوز شحم الأذنين، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين. (قططا) شديد جعودة الشعر. (بابن قطن) هو عبد العزى بن قطن بن عمرو الجاهلي الخزاعي، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها.

٣٢٥٧ - حدثنا أحمد بن محمد المكي قال: سمعت إبراهيم بن سعد قال: حدثني الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:
لا والله، ما قال النبي ﷺ لعيسى أحمر، ولكن قال: (بينما أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سبط الشعر، يهادى بين رجلين، ينطف رأسه ماء، أو يهراق رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جعد الرأس، أعور عينه الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: هذا الدجال، وأقرب الناس به شبها ابن قطن).
قال الزهري: رجل من خزاعة، هلك في الجاهلية.
[٥٥٦٢، ٦٥٩٨، ٦٦٢٣، ٦٧٠٩، وانظر: ٣١٥٩]


(ينطف) يقطر. (يهراق) يسيل منه الماء.

٣٢٥٨ - حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: (أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي).


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام، رقم: ٢٣٦٥. (أولى الناس) أخص الناس به وأقربهم إليه، لأنه بشر به، أو لأنه لا نبي بينهما، فكأنهما في زمن واحد. (أولاد علات) هم الأخوة لأب واحد من أمهات مختلفة، والمعنى: أن شرائعهم متفقة من حيث الأصول وإن اختلفت من حيث الفروع، حسب الزمن، وحسب العموم والخصوص.

٣٢٥٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سليمان: حدثنا هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي عمرة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد).
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ

١٢٧١
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ.


(شتى) مختلفة ومتعددة. (دينهم واحد) هو دين التوحيد، وهذا يفيد أن النسب الحقيقي هو نسب العقيدة والإيمان، وبه يكون التفاضل لا بالآباء.

٣٢٦٠ - وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عن النبي ﷺ قال: (رأى عيسى بن مريم رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا، والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله، وكذبت عيني).


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام، رقم: ٢٣٦٨. (آمنت بالله) صدقت من حلف به. (كذبت عيني) أي ما ظهر لي من كون المأخوذ سرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق، أو ما أذن له صاحبه في أخذه، ونحو ذلك. وقيل: قاله عليه السلام مبالغة في تصديق الحالف بالله تعالى.

٣٢٦١ - حدثنا الحميدي: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابن عباس: سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر:
سمعت النبي ﷺ يقول: (لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله).
[ر: ٢٣٣٠]


(لا تطروني) من الإطراء وهو الإفراط في المديح ومجاوزة الحد فيه، وقيل: هو المديح بالباطل والكذب فيه. (كما أطرت النصارى ابن مريم) أي بدعواهم فيه الألوهية وغير ذلك.

٣٢٦٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أخبرنا صالح بن حي: أن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي، فقال الشعبي: أخبرني أبو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (إذا أدب الرجل أمته فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فتزوجها كان له أجران، وإذا آمن بعيسى، ثم آمن بي فله أجران، والعبد إذا اتقى ربه وأطاع مواليه فله أجران).
[ر: ٩٧]

٣٢٦٣ - حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله ﷺ: (تحشرون حفاة عراة غرلا، ثم قرأ: ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين﴾. فأول من يكسى إبراهيم، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم:

١٢٧٢
﴿وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾).
قال محمد بن يوسف: ذكر عن أبي عبد الله، عن قبيصة قال: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر، فقاتلهم أبي بكر رضي الله عنه.
[ر: ٣١٧١]

٥٠ - باب: نزول عيسى بن مريم عليهما السلام.

٣٢٦٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ:
قال رسول الله ﷺ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها). ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به من قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا﴾.
[ر: ٢١٠٩]


(إن شئتم) أن تتأكدوا من معنى وصدق ما أروي. (وإن من أهل الكتاب) وما من أحد من اليهود والنصارى. (به) بعيسى عليه السلام. (قبل موته) الموت العادي المألوف بعد نزوله عليه السلام /النساء: ١٥٩/.

٣٢٦٥ - حدثنا ابن بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كييف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم). تابعه عقيل والأوزاعي.


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد ﷺ، رقم: ١٥٥. (وإمامكم منكم) يصلي معكم بالجماعة والإمام من هذه الأمة، تكرمة لها. أو المراد: أنه يحكم بينكم بشرعكم المستمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد ﷺ.

٥١ - باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.

٣٢٦٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حدثنا عبد الملك، عن ربعي بن حراش قال: قال عقبة بن عمرو لحذيفة:
ألا تحدثنا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قال إني سمعته يقول: (إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا، فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق، فمن أدرك منكم فليقع في الذي

١٢٧٣
يرى أنها نار، فإنه عذب بارد).
قال حذيفة وسمعته يقول: (إن رجلا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم، فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة).
قال وسمعته يقول: (إن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا، وأوقدوا فيه نارا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يوما راحا فاذروه في اليم، ففعلوا، فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له).
قال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذاك: (وكان نباشا).
[٦٧١١، وانظر: ٣٢٩٢]


أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم: ٢٩٣٤، ٢٩٣٥. (فمن أدرك منكم) أي خروج الدجال. (أجازيهم) أتقاضاهم الحق الذي لي عليهم. (فأنظر) أؤخر المطالبة بحقي. (فامتحشت) احترقت، من الامتحاش وأصله المحش وهو احتراق الجلد وظهور العظم. (راحا) شديد الريح. (نباشا) هو الذي يسرق ما في القبور.

٣٢٦٧ - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عبيد الله بن عبد الله: أن عائشة وابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَا:
لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، طَفِقَ يطرح خميصة عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). يُحَذِّرُ مَا صنعوا.
[ر: ٤٢٥]

٣٢٦٨ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حدثنا شعبة، عن فرات القزاز قال: سمعت أبا حازم قال:
قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون). قالوا: فما تأمرنا؟ قال: (فوا ببيعة الأول فالأول،

١٢٧٤
أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم).


أخرجه مسلم في الإمارة، باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، رقم: ١٨٤٢. (تسوسهم) تتولى أمورهم، والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه. (فيكثرون) أي يكون أكثر من حاكم واحد للمسلمين في زمن واحد. (فوا) من الوفاء. (ببيعة الأول فالأول) أي إن الذي تولى الأمر وبويع قبل غيره هو صاحب البيعة الصحيحة التي يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها مطلقا. (أعطوهم حقهم) أطيعوهم في غير معصية. (سائلهم) محاسبهم بالخير والشر عن حال رعيتهم.

٣٢٦٩ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عطاء بن يسار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه:
أَنَّ النبي ﷺ قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فمن).
[٦٨٨٩]


(سنن) سبل ومناهج وعادات. (شبرا بشبر) كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم، رغم ما فيها من سوء وشر، ومعصية لله تعالى ومخالفة لشرعه. (جحر ضب) ثقبه وحفرته التي يعيش فيها، والضب دويبة تشبه الحرذون تأكله العرب، والتشبيه بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته، ونتن ريحه وخبثه، وما أروع هذا التشبيه الذي صدق معجزة لرسول الله ﷺ، فنحن نشاهد تقليد أجيال الأمة لأمم الكفر في الأرض، فيما هي عليه من أخلاق ذميمة وعادات فاسدة، تفوح منها رائحة النتن، وتمرغ أنف الإنسانية في مستنقع من وحل الرذيلة والإثم، وتنذر بشر مستطير. (فمن) أي يكون غيرهم إذا لم يكونوا هم، وهذا واضح أيضا، فإنهم المخططون لكل شر، والقدوة في كل رذيلة.

٣٢٧٠ - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلَالٌ: أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإقامة.
[ر: ٥٧٨]

٣٢٧١ - حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائشة رضي الله عنها:
كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله. تابعه شعبة، عن الأعمش.


(أن يجعل) أي المصلي. (خاصرته) وسطه، تحت الأضلاع وفوق الورك.

٣٢٧٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: (إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم، ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود وَالنَّصَارَى، كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط،

١٢٧٥
فعملت النصارى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا، فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء، قَالَ اللَّهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت).
[ر: ٥٣٢]


(خلا) مضى.

٣٢٧٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ:
قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن النبي ﷺ قال: (لعن اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا).
تابعه جابر، وأبو هريرة، عن النبي ﷺ.
[٢١١٠، ٢١١١، ٢١٢١]

٣٢٧٤ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ: أَخْبَرَنَا الأوزاعي: حدثنا حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النار).


(حدثوا عن بني إسرائيل) أي عما وقع لهم من الأمور الغربية. (حرج) إثم أو ضيق. (كذب علي) نسب إلي شيئا لم أقله، مما يحدث عن بني إسرائيل أو غيرهم. (فليتبوأ) من التبوؤ وهو اتخاذ المباءة وهي المنزل.

٣٢٧٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابن شهاب قال: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم).
[٥٥٥٩]


أخرجه مسلم في اللباس والزينة، باب: في مخالفة اليهود في الصبغ، رقم: ٢١٠٣. (لا يصبغون) لا يغيرون لون الشيب. (فخالفوهم) بصبغ شعر الرأس واللحية، ولكن بغير السواد، وأما الصبغ بالسواد فقال بعض الفقهاء بتحريمه لما ثبت في ذلك من أحاديث صحيحة وحملها بعضهم على الكراهة، واستثنى بعضهم صبغ المرأة من أجل زوجها خاصة، فقال بإباحة السواد لها.

٣٢٧٦ - حدثني محمد قال: حدثني حجاج: حدثنا جرير، عن الحسن: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، وما نسينا منذ حدثنا، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله ﷺ، قال:
قال رسول الله ﷺ: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح،

١٢٧٦
فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة).
[ر: ١٢٩٨]


(في هذا المسجد) مسجد البصرة الجامع. (فجزع) لم يصبر على الألم. (فحز) قطع. (فما رقأ) لم ينقطع الدم ولم يسكن. (بادرني عبدي بنفسه) استعجل الموت.

حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل.

٣٢٧٧ - حدثني أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حدثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ. وحدثني محمد: حدثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا همام، عن إسحاق بن عبد الله قال: أخبرني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هريرة رضي الله عنه حدثه:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه، فأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل - أو قال البقر، هو شك في ذلك: أن الأبرص والأقرع: قال أحدهما الإبل، وقال الأخر البقر - فأعطي ناقة عشراء، فقال: يبارك لك فيها. وأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا، قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب، وأعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، قال: فأعطاه بقرة حاملا، وقال يبارك لك فيها. وأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطاه شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من إبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من غنم، ثم إنه أتى

١٢٧٧
الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، تقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال له: إن الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا صيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، وتقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخدته لله، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك).
[٦٢٧٧]


أخرجه مسلم في أوائل كتاب الزهد والرقائق، رقم: ٢٩٦٤. (بدا لله) أراد أن يظهر ما سبق في علمه. (يبتليهم) يختبرهم. (ملكا) أي بصورة إنسان. (هو شك) أي إسحاق بن عبد الله راوي الحديث. (عشراء) الحامل التي أتى على حملها عشرة أشهر من يوم طرق الفحل لها، ويقال لها ذلك إلى أن تلد وبعدما تضع، وهي من أنفس الأموال عند العرب. (والدا) ذات ولد، أو حاملا. (فأنتج هذان) أي صاحب الإبل والبقر، وأنتج من النتاج وهو ما تضعه البهائم. (صورته وهيئته) أي التي كان عليها. (الحبال) الأسباب التي يتعاطاها في طلب الرزق. (أتبلغ به) من البلغة وهي الكفاية. (لكابر عن كابر) وفي رواية شيبان: (وإنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر) أي ورثته عن آبائي وأجدادي حال كون كل واحد منهم كبيرا ورث عن كبير. (ابن سبيل) منقطع في سفره. (لا أجهدك) لا أشق عليك في منع شيء تطلبه مني أو تأخذه.

٥٢ - باب: ﴿أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم﴾ /الكهف: ٩/.
الكهف الفتح في الجبل، والرقيم الكتاب. ﴿مرقوم﴾ /المطففين: ٩/: مكتوب، من الرقم. ﴿ربطنا على قلوبهم﴾ /الكهف: ١٤/: ألهمناهم صبرا. ﴿شططا﴾ /الكهف: ١٤/: إفراطا. الوصيد: الفناء، وجمعه وصائد ووصد، ويقال: الوصيد الباب. ﴿مؤصدة﴾ /البلد: ٢٠/ و/الهمزة: ٨/: مطبقة، آصد الباب وأوصد. ﴿بعثناهم﴾ /الكهف: ١٩/: أحييناهم. ﴿أزكى﴾ /الكهف: ١٩/: أكثر ريعا. فضرب الله على آذانهم فناموا. ﴿رجما

١٢٧٨
بالغيب﴾ /الكهف: ٢٢/: لم يستبن. وقال مجاهد: ﴿تقرضهم﴾ /الكهف: ١٧/: تتركهم.


(الرقيم) لوح كتبت فيه قصة أهل الكهف أو أسمائهم على باب الكهف، وقيل غير ذلك. (من الرقم) مشتق من الرقم وهو الكتابة. (إفراطا) أي في الظلم والبعد عن الحق. (الفناء) الساحة الممتدة أمام الباب، وقيل: الوصيد العتبة، وهو يشير إلى قوله تعالى: ﴿وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد﴾ /الكهف: ١٨/. (أوصد) أغلق وأطبق. (أزكى) أحل وأطيب. (ريعا) زيادة، والريع فضل كل شيء على أصله. (فضرب الله ..) يشير إلى قوله تعالى: ﴿فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا﴾ /الكهف: ١١/. والمعنى: أنمناهم نومة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات. فناموا سنين كثيرة في كهفهم. (رجما بالغيب) قذفا بالظن، وحدسا من غير يقين.
حديث الغار.؟؟

٣٢٧٨ - حدثنا إسماعيل بن خليل: أخبرنا علي بن مسهر، عن عبيد الله ابن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أن رسول الله ﷺ قال: (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون، إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه.
فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز، فذهب وتركه، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا، وأنه أتاني يطب أجره، فقلت: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من ذلك الفرق، فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساحت عنهم الصخرة.
فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم: كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.
فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم، من أحب الناس إلي، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت، فأتيت بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج

١٢٧٩
الله عنهم فخرجوا).
[ر: ٢١٠٢]


(فأووا) التجؤوا ودخلوا. (فيستكنا) فيضعفا ويهرما لأنه عشاؤهما، وترك العشاء يهرم. (لشربتهما) بسبب عدم شربهما. (راودتها عن نفسها) طلبت منها الجماع وفعل الفاحشة.

٣٢٧٩ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزناد، عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: (بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه، فقالت: اللهم لا تمت ابني حتى يكون مثل هذا، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم رجع في الثدي، ومر بامرأة تجرر ويلعب بها، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقال: أما الراكب فإنه كافر، وأما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني، وتقول: حسبي الله، ويقولون: تسرق، وتقول: حسبي الله).
[ر: ١١٤٨]


(تجرر ويلعب بها) تسحب وتهان. (حسبي الله) كافيني ومتولي أمري.

٣٢٨٠ - حدثنا سعيد بن تليد: حدثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عن أيوب، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها، فسقته فغفر لها به).
[٣١٤٣]


أخرجه مسلم في السلام، باب: فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، رقم: ٢٢٤٥. (بغي) زانية. (موقها) ما يلبس فوق الخف. (فغفر لها) ما سبق منها من الزنا. (به) بسبب سقيها له.

٣٢٨١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حج على المنبر، فتناول قصة من شعر، وكانت في يدي حرسي، فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: (إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتخذها نساؤهم).
[٣٢٩٩، ٥٥٨٨، ٥٥٩٤]


أخرجه مسلم في اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، رقم: ٢١٢٧. (قصة من شعر) قطعة شعر من جهة الناصية، وهي مقدمة الرأس. (حرسي) أحد الحرس، وهم الذين يحرسون الحاكم، وقد يراد به الجندي. (هلكت) كان ذلك سبب هلاكهم، إذ كان محرما فخالف النساء وفعلنه، وسكت الرجال فلم يمنعوهن. والمراد بالمنهي عنه وصل الشعر.

٣٢٨٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم

١٢٨٠
من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب).
[٣٤٨٦]


(محدثون) جمع محدث، وهو الذي يجري الصواب على لسانه، أو يخطر بباله الشيء فيكون، بفضل من الله تعالى وتوفيق.

٣٢٨٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبا فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا. فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له).


أخرجه مسلم في التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم: ٢٧٦٦. (يسأل) عن طريق التوبة والاستغفار. (راهبا) هو المنقطع للعبادة. (فناء) مال إلى تلك القرية التي توجه إليها للتوبة والعبادة فيها. (فأوحى) أمر أمر تكوين، أي جعلها تبتعد وتقترب. (هذه) القرية المتوجه إليها. (هذه) القرية الخارج منها.

٣٢٨٤ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صلاة الصبح، ثم أقبل على الناس فقال: (بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث). فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم، فقال: (فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثم - وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب هذا: استنقذتها مني، فمن لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غيري). فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم، قال: (فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر). وما هما ثم.
وحدثنا علي: حدثنا سفيان، عن مسعر، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، بمثله.
[ر: ٢١٩٩]


(الذئب هذا) أي هذا الذئب. (وما هما ثم) أي وليس أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حاضرين هناك.

٣٢٨٥ - حدثنا إسحاق بن نصر: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قال النبي ﷺ: (اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنحكوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا).


أخرجه مسلم في الأقضية، باب: استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين، رقم: ١٧٢١. (عقارا) هو الأرض وما يتصل بها من مال، وقيل المنزل والضياع. (أبتع) أشتر. (غلام) ولد ذكر. (جارية) ولد أنثى.

٣٢٨٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حدثني مالك، عن محمد بن المنكدر، وعن أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عن أبيه: أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الطاعون؟ فقال أسامة:
قال رسول الله ﷺ: (الطاعون رجس، أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو: على من كان قبلكم، فإذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه). وقال أبو النضر: (لا يخرجكم إلا فرارا منه).
[٥٣٩٦، ٦٥٧٣]


أخرجه مسلم في السلام، باب: الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، رقم: ٢٢١٨. (في الطاعون) في أمره وشأنه، وهو مرض عام يصيب الكثير من الناس في زمن واحد أو متقارب. (رجس) عذاب. (طائفة) جماعة. (فلا تقدموا عليه) لا تدخلوا الأرض التي انتشر فيها الطاعون. (فرارا منه) أي لأجل الفرار من الطاعون، أما لو خرج لحاجة عرضت له فلا بأس فيه، ولعل الحكمة في هذا الحديث عدم نقل المرض أو التعرض له عن طريق العدوى.

٣٢٨٧ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عن يحيى بن يعمر، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عن الطاعون، فأخبرني أنه: (عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ

١٢٨٢
لَا يُصِيبُهُ إِلَّا ما كتب الله له، إلا كان مثل أجر شهيد).
[٥٤٠٢، ٦٢٤٥]


(رحمة للمؤمنين) لأن من مات به كان شهيدا كما ثبت في الصحيح. (محتسبا) يطلب من الله دفع البلاء أو الأجر إن أصيب.

٣٢٨٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة ابن زَيْدٍ، حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فكلمه أسامة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ). ثُمَّ قام فاختطب ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
[ر: ٢٥٠٥]


أخرجه مسلم في الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره، رقم: ١٦٨٨. (أهمهم) أحزنهم وأثار اهتمامهم. (شأن ..) حالها وأمرها. (المخزومية) نسبة إلى بني مخزوم، واسمها فاطمة بنت الأسود، وكانت سرقت حليا يوم فتح مكة. (حب) محبوب. (أتشفع في حد) تتوسل أن لا يقام حد فرضه الله تعالى، والحد عقوبة مقدرة من المشرع. (الشريف) الذي له شأن في قومه بسبب مال أو نسب أو عشيرة. (الضعيف) من ليس له عشيرة أو وجاهة في قومه. (وايم الله) لفظ من ألفاظ القسم، أصلها: وأيمن الله، فحذفت النون تخفيفا، وقد تقطع الهمزة وقد توصل.

٣٢٨٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة الهلالي، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:
سمعت رجلا قرأ آية، وسمعت النبي ﷺ يقرأ خلافها، فجئت به النبي ﷺ فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: (كلاكما محسن، ولا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا).
[ر: ٢٢٧٩]

٣٢٩٠ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الأعمش قال: حدثني شقيق: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
[٦٥٣٠]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، رقم: ١٧٩٢. (يحكي نبيا) يشبهه ويصفه بحاله، وقيل: المراد نبي من بني إسرائيل، وقيل: نوح عليه السلام، وقيل: النبي نفسه ﷺ. (فأدموه) أسالوا منه الدم.

٣٢٩١ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ،

١٢٨٣
عَنْ أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي ﷺ: (أن رجلا كان قبلكم، رغسه الله مالا، فقال لبنيه لما حضر: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف، ففعلوا، فجمعه الله عز وجل فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته).
وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عقبة بن عبد الغافر: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[٦١١٦، ٧٠٦٩، ٧٠٧٠]


أخرجه مسلم في التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: ٢٧٥٧. (رغسه) أعطاه وبارك له فيه، من الرغس وهو البركة والنماء والخير. (حضر) حضره الموت. (اسحقوني) من السحق وهو أشد الدق. (عاصف) شديد الريح.

٣٢٩٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قال: قال عقبة لحذيفة: ألا تحدثنا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قال: سمعته يقول: (إن رجلا حضره الموت، لما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا، ثم أوروا نارا، حتى إذا أكلت لحمي، وخلصت إلى عظمي، فخذوها فاطحنوها فذروني في اليم في يوم حار، أو راح، فجمعه الله فقال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك، فغفر له).
قال عقبة: وأنا سمعته يقول.
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الملك وقال: (في يوم راح).
[٦١١٥، وانظر: ٣٢٦٦]


(أوروا) أوقدوا. (خلصت) وصلت. (اليم) البحر. (راح) ذي ريح شديدة.

٣٢٩٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ قال: (كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز عنه).
[ر: ١٩٧٢]

٣٢٩٤ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (كان رجل

١٢٨٤
يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذ أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: مَا حَمَلكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رب خشيتك، فغفر له). وقال غيره: (مخافتك يا رب).
[٧٠٦٧]


أخرجه مسلم في التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: ٢٧٥٦. (يسرف على نفسه) يبالغ في المعاصي. (قدر علي ربي) حكم وقضى. (ذروني) انثروني وفرقوني.

٣٢٩٥ - حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أن رسول الله ﷺ قال: (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).
[ر: ٢٢٣٦]

٣٢٩٦ - حدثنا أحمد بن يونس، عن زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ: حدثنا أبو مسعود عقبة قال:
قال النبي ﷺ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إذا لم تستحي فافعل ما شئت).
حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن منصور قال: سمعت ربعي بن حراش يحدث، عن أبي مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).
[٥٧٦٩]


(أدرك الناس) بلغهم وعلموه. (كلام النبوة) من حكم الأنبياء وشرائعهم التي لم تنسخ، لاتفاق العقول عليه، ولذلك كان مما اتفق عليه الأنبياء جميعهم ودعوا إليه. (إذا لم تستحي) إذا لم يكن عندك حياء يمنعك من فعل القبيح، وقيل: إذا كان ما تفعله ليس مما يستحيا منه. (فافعل ما شئت) على المعنى الأول الأمر للتهديد، أي افعل ما بدا لك فإنك ستعاقب عليه، وعلى المعنى الثاني الأمر للإباحة، أي لك أن تفعل ما لا يعاب عليه أو يذم.

٣٢٩٧ - حدثنا بشر بن محمد: أخبرنا عبيد اللَّهِ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أن ابن عُمَرَ حَدَّثَهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: (بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة).
تابعه عبد الرحمن بن خالد، عن الزهري.
[٥٤٥٣، ٥٤٥٤]


(الخيلاء) هي الكبر والتبختر مع الإعجاب بالنفس. (يتجلجل) يتحرك في أعماق الأرض، والجلجلة الحركة مع الصوت.

٣٢٩٨ - حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب قال: حدثني ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قَالَ: (نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القيامة، بيد أن كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، فغدا لليهود وبعد غد للنصارى، على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم يغسل رأسه وجسده).
[ر: ٨٣٦]


(بيد) معناه غير أو لكن وقيل: على أنه. (فهذا اليوم) أي يوم الجمعة. (على كل مسلم) يطلب من كل مسلم، طلب ندب واستحباب، أن يغتسل، والمراد يوم الجمعة، وقيل بوجوب ذلك.

٣٢٩٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
قَدِمَ معاوية بن أبي سفيان الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعل هذا غير اليهود، وإن النَّبِيَّ ﷺ سَمَّاهُ الزُّورَ. يعني الوصال في الشهر.
تابعه غندر، عن شعبة.
[ر: ٣٢٨١]


(سماه الزور) أي سمى وصل الشعر زورا، والزور الكذب والتزيين بالباطل، والوصل داخل فيه.

 


معزّ نوني
معزّ نوني
المؤهلات العلمية: متحصّل على شهادة ختم الدروس لتكوين المعلّمين بقفصة لسنة 2000 المهنة: أستاذ مدارس ابتدائية
تعليقات